فصل: مقدمة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: آداب الأكل **


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

 مقدمة

رسالة في آداب الأكل الحَمدُ لِلَهِ رَبي مُسبِغِ النِعَمِ وَالشُكرِ ثُم الثَنا لِلمانِحِ النَحلِ الحمد الثنا مستحقه بذكر صفاته الجميلة وأفعاله الحسنة ونقيض الحمد وأصل الشكر البيان والاظهار وقيل هو مقلوب كشر يقال كشر الكلب عن أنيابه إذا قلص شفتيه عن أسنانه فظهرت

ولا يكون الشكر الشكر إلا في مقابلة النعمة فعلى العبد أن يقابل نعم الله سبحانه وتعالى بالطاعات قال الله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏إعمَلوا آل دَاوُدَ شُكراً‏}‏‏[‏سورة سبأ الآية 12‏]‏ - سبأ أياعملوا لأجل أن تشكروا ونقيض الشكر الكفر كما أن نقيض الحمد الذم قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن يشَكَرَ فَإِنَما يَشْكُرُ لِنَفسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَهَ غَنيٌ حَميد‏}‏ ‏[‏الآية 12‏]‏ - لقمان وبين الحمد والشكر عموم وخصوص من وجه وذلك أنهما يجتمعان في مادة ويوجدن أحدهما بدون الآخر فيجتمعان عند مقابلة النعمة ويوجد الحمد بدون الشكر إذا كان لا في مقابلة نعمة ويوجد الشكر بدونه إذا كان بالفعل وحده إذ الحمد لا يكون إلا بالقول والشكر يكون بالفعل والقول معا

والثنا قيل هو والنثا بتقديم النون على الثاء بمعنى واحد إلا أن الثنا ممدود والنثا مقصور وقيل الثنا في المدح والنثا بتقديم النون يستعمل في الذم يقال اثنى عيه خيرا وانثا عليه شرا إذا ذكره بسوء وهذا هو المعتبر في اللغة المانح المعطي والمنح العطايا‏.‏

والنحل جمع نحلة وهو ما تعلق بغير مقابل منه سمي المهر نحله لأن المرأة في الحقيقة تأخذه لا في مقابل لانها تستمتع كما يستمتع بها قال الزجاج ‏{‏وسمي الله تعالى زنابير العسل نحلا لأن الله تعالى قد نحل للخلق العسل الذي يخرج من بطونها بلا مؤنة فهو عطية مبتدئة

يا طالِباً لِخِصالٍ سادَ جامِعُها ** وَسائِلاً مَن حَواها سُؤلٍ مُبتَهِلِ

لا تَأخُذ العِلمَ إِلا عَن أَخي ثِقَةٍ ** يُعطي الرَشادَ بِهِ في واضِحِ السُبُلِ

وَدَع سُؤالِ الَّذي دَقَت دِيانَتُهُ ** وَاحذَر حُضورَكَ في الدَرسِ وَالجَدلِ

فَالطَبعُ لِصٌ فَلا تَجلِس إِلى فُسقٍ ** فَقُل أَن يَسلَمِ الآتِيه مِن زُللِ

كَجالِسِ الكيرِ إِن تَحضَد مُجالَسَةً ** وَفاتُكَ الشَوكُ لَم تَسلَم مِن الشُعَلِ

هذه الأبيات مشتملة على مقاصد منها‏:‏ أنه يجب على الشخص أن لا يشتغل بالعلم ولا يأخذه غلا عن من ظهرت ديانته وانتشر علمه فإن العلم دين فلينظر إلى من يأخذ عنه دينه ولا يجوز الاعتماد في الفتوى على فاسق ومجهول الحال ولا يجوز أن يكون الفاسق مدرسا ولا قاضيا وسمعت الشيخ رحمه الله يحكي في جواز مباحثه وجهان ومنها أن الانسان لا ينبغي له الجلوس إلى فاسق فإنه إن سلم في مشاركته في المعيشة لم يسلم من التخلق ببعض أخلاقه فإن الطبع يسرق عند الاجتماع من حيث لا يشعر الانسان ولهذا تقول العرب في أمثالها‏:‏ الرفيق قبل الطريق والجار قبل الدار والطباع سراقه‏.‏

ثم وقع التشبيه بنافخ الكير وهو الحداد إن حضره إنسان وسلم من الشوك الذي عنده لم يسلم من الشعل التي يخرجها من النار لأنها عند الضرب عليها ينفصل منها قطع من النار تنال الجالس حول الكيروإلى هذا جاءت الاشارة في قوله صلى الله عليه وسلم ‏{‏مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك أما أن يحذيك وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه رائحة كريهة‏}‏وقوله يحذيك بالحاء المهملة وبالجيم أيضا ومعناه يعطيك ورواية الجيم موافقة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أو جذوة من النار‏}‏الآية 29 - القصص وقول أهل السنة العقل والصرف لا يجذي أنه لا يعطي شيئا من الاحكام والله سبحانه وتعالى أعلم

الأمانة الفرائض التي افترضها الله تعالى على عباده وشرط عليهم أن من أداها جوزي بالاحسان ومن خان فيها عوقب عرضها الله تعالى على السموات والأرض والجبال بعد أن أفهمها خطابه وأنطقها فقبلت وأطاعت واشفقت من حمل إثمها بسبب المخالفة هذا قول ‏[‏الزجاج‏]‏ ويدل على هذا القول قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَقالَ لَها وَلِلأرضِ ائتيا طَوعاً أوَكَرهاً قالَتا أَتينا طائِعين‏}‏‏[‏الآية - فصلت‏]‏‏.‏ وقال الواحدي‏:‏ إن الله تعالى لما عرض عليها التكاليف أبت أن تحملها مخافة وخشية لا معصية ومخالفة وهو معنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأشفَقنَ مِنها وَحَمَلَها الإِنسانُ إِنّهُ كانَ ظَلوماً جَهولاً‏}‏‏[‏الآية 72‏]‏ الأحزاب غرا بأمر ربه والقول الأول صائر إلى أن أمره لها كان أمر عزم وحتم والقول الثاني يقول إنه كان أمر عرض لا أمر عزم ولهذا قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ما يُبَدَلُ القَولُ لَديَّ‏}‏ ‏[‏الأية 19 - ق‏.‏‏]‏

والأكم الجبال الصغار جمع أكمه

فَالعِلمُ دَينٌ وَمَن ضَلت دِيانَتُهُ ضَلَ العُلومِ فَدَع مِن عادَ في جَهلِ الإشارة بهذا البيت أن من كان عالما ولم ينتفع بعلمه نزل منزلة الجاهل بجامع عدم النفع بل هو أسوء حالا من الجاهل المقصر ويقال‏:‏ ‏[‏ويل للجاهل حيث لم يتعلم وويل للعالم حيث لم يعمل بعلمه أو بما علم مئة مرة أو ألف مرة

قال الغزالي يرحمه الله - وغيره ‏{‏العالم الذي لا يعمل بعلمهكالمصباح يحرق نفسه والضوء لغيره وقال آخر‏:‏ كلمة في التوراة ‏[‏عالم لا يعمل بعمله هو الجاهل سواء

وضلت ذهبت فهو يستعلم في الذوان والمعاني ومن استماله في المعاني قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها فهو أحق بها‏)‏ وضل العلوم فقدها حيث لم ينتفع بها

قِف إِن شَكَكتَ وَلا تَقدُم عَلى عَملٍ ** قَبلَ السؤالِ فَإِن العَقلَ في عَقلِ

إن لَم تُكن بِسؤالِ العِلمِ مُحتَفِلا ** وَلا اِجتَهدتَ فَقُل يا ضَيعَةَ الأَجلِ

وَإِن عَلِمتَ وَلَم تَعمَل عَلى وَجلِ ** فَما رَبحتَ فَقُل يا خَيبَةَ الأَملِ

مَن لَم يَمُت في طُلابِ العِلمِ هِمَتُهُ ** فَلا حَياةَ لَهُ شَبَهَهُ بِالإِبِلِ

فَالعِلمُ رَأسٌ وَرأسُ مَن حَواهُ عَلا ** وَغَيرُهُ ذَنَبٌ قَد حَطَ عَن طولِ

كَم مِن جَهولٍ يَرى مِن خُلُقِهِ حَسناً ** لَهُ اِعتِنا بِلبسِ التاجِ وَالحُلَلِ

فَإن حَواهُ اِجتِماعٌ قالَ ناظِرُهُ ** هَذا حِمارٌ أتَى لِلمَجلِسِ الحَفلِ

لا يَعدِلُ العِلمُ شيئٌ إِن يَفتَك فَقُل ** ياحَسرةً عَظُمَت يا قِلَةَ الحِيَلِ

المحتفل بالشيء هو الكثير التولع به والسؤال عن العلم وتعليمه واجب لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاسألوا أَهلَ الذِكرِ إِن كُنتُم لا تَعلَمون‏}‏ ‏[‏الآية‏:‏ 7 - الانبياء‏]‏ والعمل بعد العلم واجب ويقال‏:‏ ويل للجاهل حيث لم يتعلم وويل للعالم حيث لم يعلم بما علم سبعين مرة والربح أصله من التجارة وقد يستعلم في الثواب لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَما رَبِحَت تِجارَتُهُم‏}‏‏[‏الآية‏:‏ 16 - البقرة

لمن اشترى الضلالة بالهدى

طَلَبتُ آدابَ الأكلِ ما أَتاكَ ** فَخُذ وَراعٍ آدابَ ما يَأتي حِولُ

 آداب الطعام

جمع أدب وهي اجتماع محاسن الاخلاق ومحاسنس العادات ومنه سميت المأدبة مأدبة لاجتماع الناس فيها والأدب يقع على الاحكام الخمسة فيقال للواجب أدب وكذلك بقية الاحكام ولذلك صح تفسير الأصحاب بباب آداب قضاء الحاجة ثم عدهم من تلك الآداب محرمات كإستقبال القبلة واستدبارها وكشف الزائد على الحاجة من العورة وواجبات كالاستنجاء ونحوه والاستنثار من البول ومكروهات كالبول في الماء الراكد والكلام قبل الفراغ من قضاء الحاجة ومستحبات كترك التكلم وتقدم اليمنى في الخروج واليسرى في الدخول والله أعلم‏.‏

إذا دُعيتَ إِلى قوتٍ أَجبهُ وَلو تُدعى **إِلى قَريَةٍ وَاحذَر مِن الكَسلِ

لا تَحقِد الناسَ وَاشكُر ما قَد اصطَنعوا ** إِنَّ احتِقارَكَ كَبوٌ بيّنُ الخَللِ

إجابة الدعوة مستحبة لو بعد الموضع لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لو أهي إلي ذراع لقبلت ولو دعيت إلى كراع الغميم لأجبت‏)‏‏.‏

وكراع موضع بين مكة والمدينة وبينهما أميال وهو كراع الغميم الذي أفطر فيه النبي صلى الله ويقال في بعض الكتب المنزلة سر ميلا عد مريضا وسر ميلين شيع جنازة سر ثلاثة أميال أجب دعوة سر أربعة أميال زر أخا في الله تعالى

ومن المتكبرين من يجب دعوة الاغنياء دون الفقراء وهو خلاف السنة

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيب دعوة العبد ودعوة المسكين

ومر الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما بقوم من المساكين الذين يسألون الناس على قارعة الطريق وقد نثروا كسرا على الأرض في الرمل وهم يأكلون فقالوا هلم الغدا يا بن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال نعم إن الله لا يحب المتكبرين فنزل وقعد معهم وأكل ثم سلم عليهم وركب فقال قد أجبتكم فأجيبوني فقالوا نعم فوعدهم وقتا معلوما فحضروا فقدم إليهم فاخر الطعام وجلس يأكل معهم رضي الله عنه‏.‏

قال أبو تراب النخشي وهو بالنون والخاس المعجمتين والشين المثلثة والباء الموحدة فيا النسبة عرض عرض على طعام فأمتنعت فبليت بالجوع اربعة عشر يوما فعلمت أنها عقوبة

وسميت القرية قرية لجمعها الناس والقرء بالفتح الاجتماع ومنهقرأت الماء في الحوض جمعته ومنه سمي القرآن قرآنا لأنه يجمع أمراً ونهياً وخبراً ووعداً ووعيداً وغير ذلك وحكى الحافظ خلاف في الحد الذي يصير به البنيان قرية فقيل إذا صيت فيها الديك ونهق الحمار وقيل مع ذلك لا بد

اِفطَر مِنَ النَفلِ إِن يَدعوكَ ذو كَدَمِ ** شَقَ الصِيامِ عَليهِ لا إِلى بَدنِ

من دعي وهو صائم نفلا استحب له الإجابة والنظر إن شق صيامه على الداعي قال صلى الله عليه وسلم في ذلك‏:‏ ‏(‏يتطولك إخوان إني صائم‏)‏ ولا يجب القضاء على من افطر من النفل وإنما يستحب

وَلا تَجِبُ امرأةٌ إِلا بِمَحرَمِها ** لا خَيرَفي خُلوَةِ الأُنثى مَعَ الرَجُلِ

إذا دعت امرأة حسناء رجلا إلى طعام لم تحل الاجابة إن دعته ليأكل عندها في خلومة محرمة فإن كان عندهما غيرهما جاز ووجبت الاجابة إن دعت إلى وليمة العرس وفي المرأة لغتان اخرتان مرة وامرأة

وَليمَةُ العُرسِ لَبي مَن دَعاكَ ** لَها فَإِن ايتانَها مِن واجِبِ العَمَلِ

في اليَومِ الأَولِ لا في الثانِ لِثالِثِها ** تَسميعُ أهلِ الرَيا انى عَنهُ وَانفَصِلِ

في الاجابة إلى وليمة العرس ثلاثة أوجه أصحها فرض عين والثاني فرض كفاية والثالث سنة وإنما تجب أو تستحب بشروط‏:‏ الأول أن يدعوه فياليوم الأول فإن أولم ثلاثة أيام لم تجب الاجابة في الثاني وتكره في الثالث لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏في اليوم الثالث غنه رياء وسمعة‏)‏ رواه داود ولو أولم في يوم واحد مرتين

فَإذا دَعا إثنانِ لبا أو لا بِنَعَم ** لِلسَبقِ حَقٌ فَلا تَعدِلِ إِلى حَولِ

عِند المَعيةِ لَبَى أَهلُ ذي رَحمِ ** ثُمّ الجِوارُ أَجَبهُم تارِكَ العُلَلِ

إذا دعا اثنان شخصا إلى وليمتين قال في الروضة أجاب السابق فإن جاءا معا فإن كان فيهما أحد من أقاربه وذوي رحمه إجابة فإن استووا في القرب أو البعد أجاب الأقرب منهما دارا ولم يذكر ما استوت دورهما في القرب والذي يظهر أن يقرع بينهما فمن خرجت قرعته أجابه وترك الآخر‏.‏

فإن تَكُن قاضِياً فَاترُك إجابَتَها ** لا تَفتَح البابَ وَاقطَع عَلقَةَ الأَملِ

إذا كان المدعو إلى الوليمة قاضيا قال الرافعي في أبواب القضاء لم تجب عليه الاجابة بخلاف غيره وينبغي للقاضي أن يسد عنه أبواب الهدايا والضيافات ويقطع أمال الناس وحيث وجبت الاجابة أو استحبت لا يجب الأكل على الصحيح لا على القاضي ولا على غيره وقيل يجب

وَإِن دَعاكَ الَّذي في مالِهِ شَبَهٌ ** فاترُك إجابَتَهُ وَاذهَب إِلى سُبُلِ

وَإِن دَعاكَ حَرامُ المالِ دِعهُ ** وَقُل إِنّ الإجابَةَ حَرَمٌ واضِحُ الخَلَلِ

النّارُ أولى بِلُحمٍ بِالحَرامِ نَما ** أَطِب طَعامَكَ لا تُحَطِم عَلى دُغلِ

أَكلُ الخَبيثِ بِهِ يُعمى القُلوبَ فَلا ** تُحَدِث بِها ظُلمَةً تَفضي إلى كُلَلِ

أَو عِندَهُ زامِرٌ بِالناى أو وَتَرُ ** أو عِندَهُ خَمرةٌ أو لَو بِهِ الطَبلُ

أو عِندَهُ خائِضٌ في غَيبَهِ مُنِعَت ** أَو عِندَهُ زَحمَةٌ عَن مالِكٍ فَقُل

أو أَقتنا عِندَهُ كَلباً بِلا سَبَبٍ ** عَن فَرسَنٍ خَزٍ نُهوا قُم عَنهُ وَارتَحِلِ

إِنّ المَلائِكَةَ لا تَأتي أماكِنَهُم ** وَإِن قَدَرتَ فَحَتماً مُنكَراً أزلِ

هذه أمور بعضها مسقط للإجابة كما ذكره الغزالي رحمه الله لأنه لا يجب على الإنسان تعاطي المكروهات ومن الثاني ما إذا دعاه من ماله حرام حرمت الاجابة لقوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏لحم نبت من حرام النار أولى به‏)‏‏.‏

والخبيث الحرام والسحت أكله يعمي القلوب والظلمة إذا حصلت في القلب والعياذ بالله حصل الكلال في البصيرة كما يحصل للعين الكلال في البصر

قوله دع‏:‏ أي اترك الاجابة الذي في سقفه صور أو جدران بيته أو في ستور معلقة عنده أو في ثياب أو حلل أو مخاد لا توطأ ولا يتكأ عليها أو عنده زامر بالناي وهو المزمار العراقي المعروف باليراع أو كان عنده أوتار أو خمر للشرب أو عنده طبل محرم كالكوبة وهي طبل ضيق الوسط دون الرأس أو كان خائضا في غيبة محرمة فإن كانت مباحة جاز‏.‏

 ما تباح فيه الغيبة

والغيبة تباح في سبعة عشر

موضعا نظمتها في جملة أبيات من جملة قصيدة وهي هذه الأبيات

إِن تَذكُر العالَمَ المُخطِىءَ لِتابِعِهِ ** أَو تَستَعينَ عَلى ذي ذِلَةٍ عَدلا

أَو تَذكُر إِسماً قَبيحاً عِندَ سامِعِهِ ** كي يَستَعينَ بِهِ مَقصوداً ما جَهِلا

كَأَسودٍ قالَ ذا أَو أَعورٍ مَثلا ** أو أَعمَشٍ مُخَيراً أو أعرَجَ نَقلاً

وَعِصمَةُ القَرضِ في جُرحِ الفَتى سَقَطَت ** كَذلِكَ القَدحُ في الفَتوى قَد اِحتمَلا

كَذاكَ مَن يَشكو ظَلامَتُهُ ** إلى القٌضاة أو الوَلي إِذا عَدَلا

وَمظهَرُ البِدعَةِ اِذكُرها لِمُنكَرِها ** وَمُخبِىءُ البِدعَةِ اِذكُرهُ لِمَن جَهِلا

مَساوىءَ الخَصمِ إِن يَذكُر لِحاكِمِهِ ** حِينَ السُؤالِ أو الدَعوى فَلا تَهِلا

وَغيبَةُ الكافِرِ الحَربي قَد سَهَلَت ** وَعَكسُها غِيبَةَ الذمَي قَد عَقِلا

وَتارِكُ الدينِ لا فَرضَ الصَلاةِ فَلا ** أَخشى إِذا ما اِغتَبتُهُ جَلَلا

فهذه مواضع تباح فيها الغيبة‏:‏ الأول نصح المستشير في النكاح عند إنسان أو معاملته أو جوازه تجب الغيبة والاختيار بحاله لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا استنصح أَحَدَكُم أخاه فلينصح له‏)‏ وفي نسخة ‏(‏يجب عليك أن تخبره بحاله‏)‏‏.‏

الثالث‏:‏ التعريف كما إذا كان الشخص لا يعرف إلا باسمه القبيح كالأعور والاعمش فلك أن تقول قال فلان الاعمش فإن أمكن التعريف بغيره فهو أولى من اسمه القبيح

الرابع‏:‏ الفتوى فللمستفي أن يقول للمفتي فلان ظلمني أو غصب مني فماذا يجب عليه وكذا إذا اشتكى عند الولاة والقضاة

الخامس‏:‏ إذا كان الإنسان لا يتكتم عيبه كمن يخبر عن نفسه بالعيب كالزنا والفواحش يجوز اغتيابه بما تجاهر به وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لا غيبة في فاسق‏}‏ ويحرم اغتيابه بما تجاهر به وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لا غيبة في فاسق‏}‏ويحرم اغتيابه لغير ذلك إذا ذكره لا على وجه الندم والتوبة فإن ذكر عيبه على وجه الندم والتوبة حرم اغتيابه‏.‏

قال الغزالي في ‏[‏الأحياء‏]‏ لو كان المتجاهل بالفسق عالما حرمت غيبته مطلقا لأن الناس إذا سمعوا عنه إنه فعل هانت عندهم الفواحش وجسروا على فعلها

فعلى ذلته عمدتهم

وبها يحتج من أخطأ وذل

ومن كانت عنده بدعة جاز اغتيابه حتى يحذره الناس والباقي واضح‏.‏

ومنها أي من موانع الاجابة إذا كان عنده كلب لغير سبب فإن اتخذه للصيد أو للماشية أو لحفظ الدور جاز ووجبت الاجابة ولو اقتنى كلب صيد وهو لا يصيد حرم اقتناؤه لعدم الحاجة ومنها إذا كان عنده فرش خز أو حرير حرمت الاجابة وإنما تسقط الاجابة أو تحرم إذا لم يقدر المدعو على ازالة المنكرات فإن قدر على إزالتها وجبت الاجابة وإزالة المنكر

فَلا تَجِب داعياً في بابِهِ صورُ ** أو المَمَرِ أو الدِهليزِ أو سُفَلِ

كَصورَةٍ وَطِئَت أو في الإِنار ** رُسِمَت أو زالَ رَأسٌ لَها فَأَحضَر

بِلا حَولِ أو في السَماطِ أتَت ** أو خُبزٍ أو طَبَقِ أو الحَلاوَةِ

فاحفَظ نَقلَ مُحتَفِلِ أو صورَةٍ ** جُعِلَت كَالشَمسِ أو شَجَرِ

لِفَقدِها الروحُ أو كالنَجمِ أو رَجُلِ

هذه صور لا تكون عذرا في ترك الاجابة منها‏:‏ إذا كان في الباب صروة دون داخل الدار وجبت الاجابة ويجوز الحمام الذي على بابه صورة دون داخله وحكم ممر الدار ودهليزها حكم ما على بابها

ومنها إذا كانت الصور على الأرض أو على ما يوطأ على الارض كالبساط والنطع والمخدة التي يتكأ عليها أو كانت تؤكل فكل هذه ليست اعذارا في منع الاجابة

قالَ الَحليمي

وَامنَع طِفلَهُ لَعِباً وَهوَ الصَحيحُ ** فَقُم بِالمَنعِ وَاكتَفِل

أبو سَعيدٍ لَهُ التَجويزُ قَد نَسَبوا ** بَعلَةٌ قَد وَهَت عَن رُتبَةِ العُلَلِ

في جواز اتخاذ اللعب للبنات خلاف قال الحليمي في ‏{‏المنهاج‏}‏هي حرام ونقل عن أبي سعيد الاصطخري أنه لما ولي حسبة بغداد لم ينكر ذلك وأنكره غيره لأنه من المحرمات وصحح النووي في شرح مسلم تصحيح التحريم والقائل بالجواز يعلل ذلك باعتيادهن على تربية الأولاد وملاطفتهن وهي علة ضعيفة واهية فلا تصح أن تكون باعثة على تنوع الحكم

وَجهانِ قَد ذَكروا في فاقِدٍ شَبها ** مِثلُ الجَناحِ عَلى الأَنعامِ وَالرَجُلِإذا اتخذ صورة لا نظير لها ** في الوجود كبقرة بجناحين أو رجل

بجناحين أو شاة أو جمل ** ففيه وجهان عن صاحب البحر

وَفضَ الدَنانيرِ وَالدَرهامِ إِن نُقِشَت ** قَيسَ الجَوازِ بِما في ثوبِ مُبتَذِلِ

إذا نقشت صورة على درهم أو دينار فالقياس الحاقه بما إذا كانت الصورة على ثوب يلبس ويمتهن وأما إذا كانت على ثوب لا يلبس فيحرم ذلك بخلاف ما على البساط لأن الصور لا يحرم إلا ما نصب منها ولم يمتهن بالاستعمال حتى صار كالصنم المصور للعبادة وهذا غير موجود في صورة الدرهم والدرهام لغة في الدرهم كما قال الشافعي رحمه الله لو كان لي مئة درهام لشريت بها دار في بني حرام‏.‏

والمبتذل المستعمل للشيء احترز به عن ثوب لا يستعمل بل تنصب لتصاويرها فإنه حرام كما سبق

إذا أردتَ جُلوسا لِلطعامِ فَكُن ** حالَ الجُلوسِ عَلى اليُسرى وَلا تَحِل

معنى المأدبة

المأدبة الطعام المتخذ بلا سبب سميت مأدبة باجتماع الناس بها وبقية الولائم في معناها إلا أن وليمة العرس تخالفها في وجوب الاجابة وغيرها يخالفها في التسمية فطعام الختان اعدار وطعام البنا وكيرة وطعام الميت وضيمة وطعام القادم من السفر نقيعة وهل هي على الحاضر أم على القادم من السفر وجهان

 يستحب الجلوس حال الأكل على الجهة اليسرى

وَقَبلَ أكلِ تَطهُرٍ إِن تَكُن جَنباً ** وَعِندَ فَقدٍ تَوضَأ وَاسعى في البَدلِ

يستحب للجنب التطهر قبل الاكل وكذا للمحدث فإن فقدا الماء تيمما

وَكُلٌ إذا وَضعوا مِن غَيرِ إذنِهِمي ** إنّ القَرينَةَ تَكفي طالِبَ الأَكلِ

هَذا إذا اكمَلوا وَضعَ السَماطِ وَلَم ** يُخلِط مِنَ القَومِ مَن يَأتِ عَلى مَهلِ

إذا اكملوا وضع السماد ولم يتأخر من القوم أحد جاز الاكل بغير اذن على الصحيح اكتفاءاً بالقرينة وقيل لا بد من صريح اللفظ

وَالأَكلُ مُتَكِئاً كُرهاً رَوَوهُ فَدَع ** تُكبِرُ النَفسَ واخضَع خَضعَةَ الذُلِ

وَالأكلُ مُضطَجِعاً جاءَت كَراهَتُهُ ** كالشُربِ مُضَطجِعاً إلاّ مِن الثِقَلِ

 يكره الأكل متكئا

لأنه نوع تكبر وكان رسول الله صلى الله عليهوسلم ربما جثا على ركبتيه عند الأكل وجلس على ظهر قدميه وربما نصب رجله اليمنى وجلس على اليسرى وكان يقول‏:‏ ‏(‏لا آكل متكئكا إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد واجلس كما يجلس العبد

ويكره الأكل مضطجعا

قال الغزالي في الأحياء ‏[‏إلا أن يكون من الثقل‏]‏ روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه أكل كعكا على برسن وهو مضطجع ويقال منبطح على ظهره والشرب مضطجعا مكروه للمعدة أيضا‏.‏

وَأغسِل يَديكَ وَلا تَمسَح بِمَنشَفَةٍ ** قَبلَ الطَعامِ فَفَيهِ الأَمنُ مِن عِلَلٍ

وَأولاً تَغسِلُ الصِبيانَ أَيديهِم ** قَبلَ الشيُوخِ وَلا تَمسَح مِنَ البَلَلِ

وَآخِرُ يَغسِلُ الأشياخَ قَبلَهُم ** إنّ الكَراهَةَ فَرقٌ بَينَ الخَلَلِ

 غسل اليد قبل الطعام

ورد في الحديث ينفي الفقر وبعد الطعام ينفي اللمم واللمم الجنون ويستحب ترك تنشيفها قبل الطعام لأنه ربما كان في المنديل وسخ تعلق في اليد ويستحب تقديم الصبيان على الشيوخ في الغسل قبل الأكل لأنه ربما فقد الماء لو قدمنا الشيوخ وأيدي الصبيان أقرب إلى الوسخ بخلاف ما بعد الطعام‏.‏

وَابدَأ بِيُمناكَ في أَخذِ الطَعامِ وَكل ** مِما يَليكَ وَسَمِ اللَهَ وَامتَثِل

 يستحب الأكل باليمين

لأن الشيطان يأكل ويشرب بشماله ويستحب الأكل مما يلي الآكل كما يحرم الأكل واستحب العبادي أن يقول بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء فإن ترك التسمية أتى بها في أثناء الأكل ويستحب التسمية جهرا وإذا سمى بعض القوم أجزأ عنهم ويستحب للجميع التسمية فإن حضر شخص في أثناء الأكل أستحب له التسمية

وَنَق شَوكَ طَعامٍ أَنتَ آكِلُهُ ** وَلا تَكُن حاطِماً يَوماً عَلى دَغلِ

كَحاطِبِ اللَيلِ إِن يَقبِض عَلى ** حَطَبِ حَوى البَلاءَ وَنوعَ الإِثمِ

وَالأَصلِ نَضيجَ فاكِهَةٍ قَبلَ الطَعامِ ** فَكُل ما لَم أَكلُهًُ فاطرَحهُ في الذُبَلِ

 إذا كان في الطعام شوك فينبغي تنقيته

قبل أكله والذي يأكله من غير تنقيته يسمى بحاطب ليل ووجه تسميته أنه لما أخذ من اللقمة شيئا يضره أشبه الذي يجمع الحطب في الليل لأن يجمع مع الحطب ما يضره من الحيات وغيرها وربما لسعته وإذا احضروا مع الطعام فاكهة يستحب من جهة الطب اكلها قبل الطعام لأنه اسرع لهضمها قال في الاحياء ويكره أكل ما لم يطب أكله من الفاكهة‏.‏

كُل بِالثَلاثِ إذا جَمَدَ الطَعامُ أتى ** وَبِالجَميعِ إذا سَمِح الطَعامُ وَلى

قال العبادي إذا كان الطعام سمحا استحب الأكل بجميع الأصابيع وأن كان جامديا استحب الاكل بلاث‏:‏ قال الشافعي رضي الله عنه‏:‏ ‏[‏الأكل بإصبع واحد مقت وباثنين كبر

فَضلُ الثَريدِ عَلى الطَعامِ أتى ** كَفضلِ عائشَةَ كُلُ النِساءِ المَثلِ

بين في الصحيح فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام قيل انما فضل الثريد على سائر الطعام لأنه ينمو على غيره وقيل لأنه يسهل تناوله في الزمن القريب لليونته بخلاف اليابس والله سبحانه أعلم‏.‏

وَإن أُوتيت بِأنواعِ الثِمارِ فَكُلُ ** مِن حَيثُ وَلا تَقرُب عَلى دُغلٍإِلاّ إذا قَرَرنوا أو كُنتَ صاحِبَهُ ** وَسامَحوكَ عَلى هَذاكَ فانتَحَل

وَكالثِمارِ زَبيبٌ قالَ بَعضُهُمُو ** وَمِثلُهُ عَنِبٌ فاحفَظ عَلى مَهلٍ

وَبعضُهُمُو قالَ خُص النَهيُ بِالشِركا ** دونَ الضيوفِ فَكَشفُ السِر فيهِ جلى

 يستحب الأكل مما يلي الآكل

إلا في الثمار فله أن يأكل من حيث شاء ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن القرآن في التمر والقرآن أن يأكل في كل أكله ثنتين أو أكثروألحق الطرطوش قال بعضهم النهي مخصوص بالشركاء إذا اشتركوا في شراء التمر والطعام يحرم على أحدهم أن يأكل أكثر من الآخر وفي غير الشركاء لا حرج وهذا أحسن ويستثنى من المنع ثلاث ثلاث صور الأولى إذا قرن الآكلون والثانية إذا سامحوه بذلك والثالثة إذا كان القارن صاحب التمر فإنه مالكه فله أن يفعل فيه ما شاء وله منهم من ذلك

في مَدخَلٍ قالَ أَيضاً ذُو العِيالِ **يُقرى الضيوفَ فَخُذ ذا عِندَ مِن قَبلِ

مِن حَيثُ شاءَ بِلا كُرهٍ ** يواكِلُهُم وَفي الَّذي قالَهُ نُوعٌ مِنَ الدَخلِ

وَفي الحَديثِ عُمومٌ شامِلٌ لَهُما**أينَ الدَليلُ عَلى التَخصيصِ لِلعَمَلِ

استثنى أيضا في المدخل إذا كان الآكل هو المالك للطعام فهو كالثمار قال وكذا إن كان هو المنفق على العيال أكل من حيث شاء وفي الذي قاله نظر وفي قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏كل مما يليك‏)‏عموم شامل لهما ولغيرهما أي للمالك والمنفق ولكنه خص ذلك بالنهي وهو سائغ ويستحب الأكل مما يلي الآكل ويحرم من غير ما يليه نص عليه الشافعي رضي الله عنه إلا في ثلاث صور‏:‏ أحداهما الثمار وقد تقدمت إذا كان مالك الطعام ثالثها إذا كان هو المنفق على العيال قاله ابن الحاج في المدخل وفيه نظر كما تقدم

وَإِن كَرِهتَ طَعاماً لا تَعِبهُ وَدَع ** كَلا أتى وَاضِحاً عَن سَيدِ الرُسُلِ

 إذا أوتيت بطعام تكرهه فلا تعبه

وأتركه واعتذر عن أكله ‏(‏فما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط

وَإن شَبِعتَ فَلا تَبغي المَزيدَ فَقَد ** أَفتى بِتَحريمِهِ بادي السنا

عَلى أعني القَراقي فَخُذ ما قالَ مُعتَمِلاً ** وَكُن عَلى ثِقَةٍ مِن نَقلٍ مُحتَفِلِ

قال القراقي في ‏[‏شرح التنقيح‏]‏ أنه يحرم على الآكل على سماط الغير أن يزيد في الشبع بخلاف الآكل نفسه إلا أن يعلم رضا الداعي بأكل المدعو فله أن يأكل ما شاء والشبع الشرعي أن يأكل ما يقيم صلبه للكسب والعمل والشبع المعتاد أن يملأ ثلث بطنه وهو ستة أشبار كما سيأتي‏.‏

مِصرانَةَ المَرءِ قَد قاسوا وَقَد بَلغَت ** عِشرينَ شِبراً سِوى شِبرين فاحتَفِل

فَثُلُثُها سِتَةٍ بِالشِبرِ فاعنِ بِهِ ** وَخَل ثُلثا وَثُلثا قَط لا تَحِلُ

وَنَقَلَ طَرطوشِهِم هَذا القِياس فَخُذ ** إِن الَّذي قالَهُ خالٍ مِن العِلَلِ

ذكر الطرطوش في ‏[‏شرح الرسالة‏]‏ أن مصرانة الآدمي ثمانية عشر شبرا قال وينبغي ألا يزيد الأكل عن ثلثها وهو ستة أشبار

وَالأَكلُ أَنواعُهُ في سَبعَةٍ حُصِرَت ** في مَدخَلٍ عَدَها خُذها بِلا مَلَلِ

فأولُ واجِبٍ حِفظُ الحَياةِ فَقَط ** وَثانِها قُم بِهِ لِلفَرضِ وَاشتَغِل

وَثالِثُ سُنَةٍ أدى نوافِلُهُ ** حالَ القِيامِ فَقُم لِلفَرضِ وَالنَفلِ

وَرابِعُ شَبَعٍ في الشَرعِ قوتَهُ ** يُقيمُ صُلبَ الفَتى لِلكَسبِ وَالعَمل

وَسادِسُ جائِزٍ جاءَت كَراهَتُهُ ** وَفِعلُهُ جالِبٌ لِلنَومِ وَالثِقَلِ

وَسابِعٌ بَطنُهُ تَفضي إلى مَرضٍ ** فَالنَقلُ تَحريمُها فاحذَر مِنَ الدُغَلِ

هذه الانواع ذكر معظمها في المدخل الأول أن يأكل ما تحصل به الحياة فقط

الثاني‏:‏ أن يزيد على ذلك مقدارا تحصل له به قوة على أداء الصلوات الخمس من قيام دون النوافل وهذان واجبان مثلهما الأكل في رمضان وغيره من الصوم فيجب أن يأكل ما يقويه على الصوم‏.‏

الثالث‏:‏ أن يأكل ما تحصل له به قوة على قيام النفل وعلى صلاة النفل من قيام وهذا مستحب

الرابع‏:‏ أن يأكل ما يقيم صلبه للكسب والعمل وهذا هو الشبع الشرعي قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏بحسب اِبنِ آدم لقيمات يقمن صلبه للكسب فإن كان لا بد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه

الخامس‏:‏ أن يأكل إلى ثلث بطنه وقد سبق أنه ستة أشبار وهذا لا كراهة فيه

السادس‏:‏ أن يزيد على ذلك وهو مكروه وبه يحصل للانسان الثقل والنوم‏.‏

قال لقمان لابنه ‏[‏يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الاعضاء عن العبادة‏]‏ وقال بعض الحكماء‏:‏ من كثر أكله كثر شربه ومن كثر شربه كثر نومه ومن كثر نومه كثر لحمه ومن كثر لحمه قسا قلبه ومن قسا قلبه غرق في الآثام وهذه القسم غلبت عليه عادة الناس

السابع‏:‏ أن يأكل زيادة على ذلك إلى أن يتضرر وهي البطنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏أصل كل داء البردة‏}‏ سميت بردة لأنها تبرد المعدة عن هضم الطعام فيتولد من ذلك أمراض قال ابن الحاج‏:‏ وهذا القسم حرام ومن العلماء من فسر البردة بادخال الطعام على الطعام الأول قبل هضمه وسيأتي أن ذلك إنما يضر بعد الشرب أما قبل الشرب فله أن يدخل ما شاء على ما شاء‏.‏

في حَد جوعِ الفَتى قولان قيلَ بأَنّ ** يَشهَى لَهُ الأَكلُ مُختَلِطُ لَدى الأَكلِ

وَقيلَ إِن وَقَعت في الأَرضِ رِيقَتُهُ ** شَمَّ الذُبابُ وَشَدَّ السَيرُ في عَجَل

حد الشبع قد تقدم وأما الجوع فحكى الغزالي فيه قولان في الإحياء أحدهما أن يشتهي الخبز وحده فإن أتى بالخبز وطلب معه الأدم فغير جوعان

الثاني أن ينتهي به الجوع إلى حد لو وقعت ريقته على الأرض لم يقع الذباب عليها لخلوها من آثار دسومات الطعام وقوله يشهي هو بغير تاء ويشتهي لغتان قال الشاعر‏:‏

وَلَحمُ الخَروفِ نَضيجاً ** وَقَد أوتَيتَ بِهِ فاتِراً في الشَبَمِ

فأَما البَهيضُ وَحنيانَكُم ** فَأَصبحَت مِنها كَثيرَ السَقَمِ

والشبم البارد والبهيض بالباء والضاد المعجمة الارز باللبن انشد هذه الأبيات مع أبيات بعدها الحافظ والله سبحانه وتعالى أعلم

وَإن طَعِمَت فَأسير مِن طَعامِهِم ** وَمِن شَرابِكَ لَيسَ الَعلُ كالنَهلِ

يَنبَغي لِلآكلِ عِندَ غَيرِهِ أَن يَتركَ ** من الطعام بقية وكذا من الشراب

لئلا تخجل أصحاب الطعام ولأن أكل جميع الطعام وشرب جميع الماء من اللوم‏.‏

وَلا تَكُن نَهِماً في الأَكلِ وَاقتَصَد ** وَانفي عَنِ العَرضِ وَصف الجوعِ وَالبُخلِ

إِن الرَغيبَ مَشؤمٌ في الأَنامِ فَكُن ** زَهيدَ أكلٍ تَرى في الناسِ ذا نِحَلِ

 التوسط في كل شيء حسن

وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذينَ إِذا أنفَقوا لَم يُسرفوا وَلَم يَقتُروا وَكان بَينَ ذلك قَواما‏}‏ ‏[‏الآية‏:‏ 67 - الفرقان‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تَمش في الأَرضِ مَرحا‏}‏ أي مفتخرا ثم قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاقصِد في مَشيكِ‏}‏ ‏[‏الآية 18 - 19 - لقمان‏]‏ أي لا تثب وثوب الشطار ولا تحسن مشية المتبخترين فينبغي للآكل أن يتوسط في أكله فلا يقصر فيه حتى ينسب إلى التحشم ولا يبالغ فيه حتى ينسب إلى الشره والجوع والبخل‏.‏

والرغيب هو الكسير الرغبة في الرغبة في الاكل والزهيد عكسه وفي الحديث أوتي النبي صلى الله عليه وسلم بعبد يشتريه فوضعوا له طعاما فأكل الجميع فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الرغبة من الشؤم ولم يشتره

وَإِن خَصَصتَ بِشىءٍ لا تَعُم بِهِ ** إِن العُمومَ لِمَن راعاكَ بِالنَحلِ

إذا خص المالك بعض الضيفان بنوع من الاطعمة أو بطعام أشرف من طعام من هو دونه فليس له أن يطعم منه غيره لأن القرينة قاضية بالتخصيص فلا يجوز التعميم إلالصاحب المنزل

وَلا تَكُن ضَيغَناً خَلفَ الضيوفِ وَدَع ** شَراهَة النّفسِ في الإِبكارِ وَالطِفلِ

الضيغن الرجل الذي لا يعزم عليه ولكن إذا رأى الضيوف تبعهم واستحى منه صاحب المنزل أن يمنعه من الدخول معهم وجميع ما يأكله الضيغن حرام والضيغن هو الطفيلي والطفل اواخر النهار والشراهة شلة الشهوة إلى الطعام

وَلا تُكُن في غُضونِ الأَكلِ ذا نَظَرِ ** إِلى جَليسِكَ يَغدو مِنكَ في خَجلِ

وَلا تُهَندِس بِفَيكَ الخُبز إِنّ بِهِ ** مِنَ البُصاقِ لما يَفضي إلى الجِفلِ

ينبغي للآكل حال أكله ألا يديم النظر إلى جليسه لأن ذلك يخجله فيترك الطعام قبل أن يشبع وينبغي ألا يقضم الخبز بفمه ثم يضعه في الطعام فإنه يورث قيام الجليس ويعاف الاكل من حيث أنه قد يكون فمه أبخر لأن البُصاق منفصل عن اللقمة من الفم إلى الطعام وقد سمي في كتاب عجايب الأكل هذا النوع بالمهندس من حيث أنه يصلح اللقمة ويهندسها ثم يضعها في الطعام وهو مذموم‏.‏

وَاضُمُم شِفاهَكَ عِندَ المُضغِ نَحوِ حَلا ** وَلا تَفرِقِع تَكُن كالأسود الجَعلِ

وَلا تُطَرطِش لا أكلَ الطَعامِ تَرى ** عِندَ الأَنامِ حِمارَ المَجلِسِ الحَفلِ

ينبغي للآكل أن يضم شفتيه عند الاكل لمعنيين‏:‏ الأول أنه يأمن مما يتطاير من البصاق في حال المضغ وقد يقع ذلك في الطعام فيورث قنافة الثاني أنه إذا ضم شفتيه لم يبق لفمه فرقعة والأسود الجعلى بضم الجيم والعين دويبه مثل الخنفساء أكبر منها قليلا وهي خسيسة تقتا الروث وشأنها جمعه وادخاره والعرب تشبه بها من ذموا بالخساسة وقال الشاعر‏:‏ اشدد يديك بزيد أن ظفرت به‏.‏

الخَرَدَبان يَجُرُ الخُبزَ يَأخُذهُ ** يَدٌ شِمالٌ وَمِن يُمناهُ مِن عَجلِ

قَد عَلِقتَ لُقمَةً وَالشَدقُ يَمضَغُ ** ما قَد حَوى قَبلَها مِن نُهمَةِ الأَكلِ

وَعَينُه حُدِقَت خُبزاً عَلى ** طَبَقِِ بُعدا لَهُ مِن أُكولِ ساءَ في المَثلِ

الخردبان هو الذي يجر الخبز خوفا أن يسبقه إليه غيره فيجعله في شماله ويأكل بيمينه قال الشاعر

إِذا ما كُنتَ في قَومٍ شهاداً ** فَلا تَجعَل شِمالَكَ خَردَباناً

والمعلق والمحدق والمشدق أوصاف ذميمة فالمعلق هو الذي يكون اللقمة في يده قبل أن يبتلع التي في شدقه ومع ذلك عينه إلى أخرى يأخذها

وَإِن سَعَلتَ تَحولُ عَن وُجوهِمي ** نَحو القَفا وَعَلى ذي الحَولِ فَاتكِلِ

وَلا تَنحُم وَلا تُبصِق بِحَضرَتِهِم ** وَلا بِمُستَقذرِ تَنطِقُ لِذي أكلِ

وَلا تُبادِر إِلى قَطعِ اللُحومِ وَلا**إلى التَناوُلِ أيضاً قَط مِن عَجلِ

تَركُ الفُضولِ لِمَن حَلاهُ نافِلَةً ** فَدَع وَفُضولُكَ والِهٍ عَنها وَامتَثِلِ

وَلا تُطاطي عَلى رأسِ الإناءِ وَلا ** تَنفُض بِذَلِكَ فَكَم في النَقصِ مِن خَلَلِ

وَإِن عَلى طَبقٍ بَطيخُهُم وَضَعوا ** فَدَع قُشورَكَ وَقتَ الأكلِ في سَفَلِ

في خَلطِ القِشرِ تَعزيزٌ وَرميُكَ في ** جَمعِهِ كُلفَةً للِرمي بفي الزَبلِ

وَرُبَما صَدَمَت رَأسُ الجَليسِ إِذا ** تَرمي بِها نَحوهُ فَأَقصِد إِلى عَدلِ

هذه آداب تتأكد في حق الآكل ويحترز أشياء تطرأ عليه حال الأكل كالسعال ونحوه فينبغي له عند السعال أن يحول وجهه عن الطعام أو يبعده عنه أو يجعل شيئا على فيه لئلا يخرج منه بصاق فيقع في الطعام‏.‏

 من آداب الأكل ألا يبصق

ومنها ينبغي للآكل أو للحاضر ألا يتنحم بحضرة الآكلين ولا يبصق ولا يتمخط ولا يذكر كل ما فيه ذكر شيء مستقذر

ومنها ينبغي ألا يبادر إلى قطع ما يقدم للضيفان من اللحم إذا أوتي به صحيحا كالخروف ونحوه إلا إذا أذنوا له في ذلك

ومنها ألا يأكل قبل القوم فإن فاعل ذلك ينسب إلى فرط الجوع والشره قال طرفه

وَإِن مُدت الأَيدي إلى الزادِ لَم أَكن ** بِأعجَلِهِم إِذا جَشِعَ القَومُ اعجَلُ

ومنها ألا يطاطأ رأسه على الإناء حالة الأكلومنها ألا ينفض يديه من الطعام مخافة أن يقع منها شيء على ثوب الجليس أو في الطعام فيورث قنافة وتقذرا عن أكل الباقيز ومنها إذا كان المأكول بطيخا وضع على طبق أو غيره فينبغي له ألا يخلط ما أكله من القشر بما لم يؤكل فإنه يورث قنافة وألا يرمي بالقشر لأن في رميه كلفة في جمعه ليطرح في المزبلة وربما نالت ومنها إذا أكل تمرا أو برقوقا ينبغي بألا يخلط نوى ما أكل بما لم يؤكل وفي معناه السرمان وساير ماله قشر كالقصب ونحوه

وَإِن أتَتكَ سَنانيرُ يَصِحنَ فَلا ** تَرمِ لَها لُقمَةً تَسلَمِ مِنَ الثِقَلِ

ليس للآكل أن يتصرف في الطعام بغير الاكل فيحرم عليه إطعام الهرة والسنور والقط وجمعه سنانير وله أسماء سنور وقط وهر وضبون وحنظل ولا يجوز لمن حضر الطعام أن يطعم من دونه فإن استووا في الطعام جاز أن يلقم الاضياف بعضهم بعضا

وَإِن أَتوكَ بِأنواعِ الطَعامِ فَمُل إِلى ** إِختيارِكَ بِالمَجعُولِ بِالعَسلِ

فَسُنَةُ المُصطفَى حُبُ الحَلاوَة لا ** تَبغِ العُدولَ لأِكل الثَومِ وَالبَصلِ

وَوَافَقَ القَومُ حَتّى يَكتَفوا شَبَعاً ** وَلا تَقُم قَبلَهُم يَفضي إِلى خَجلِ

وَكُن لَهُم أَبداً نِعمَ الجَليسِ وَكُن ** بِئسَ الرَفيقِ رَفيقاً غَن مِن دُغلِ

وَآنَسَ القَومُ بِالتَحديثِ في أُكُلٍ ** وَلا تَكُن ساكِتاً كَالبَهمِ وَالهُمَلِ

وَلا تَكُن قائِماً عَن قَصعَةٍ أَبداً ** قَبلَ الفَراغِ وَكُن عَن ذاكَ في شُغُلٍ

فَفي القِيامِ لَهُ قِطَعٌ لِلذَتِهِ فَلا ** تَكُن قاطِعاً نَدعوكَ بِالجَعلِ

وَالعَق يَديكَ وَلا تَمسَح بِخُبزِهِم ** وَلا السَماطَ وَكُن عَن ذاكَ في شُغُلِ

يستحب للأكل أن يختار لنفسه من الطعام الحلو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل وينبغي للآكل إذا شبع ألا يرفع يده قبل القوم الذين لم يكتفوا منه لأن في ذلك تخجيل لهم وينبغي له أن يلين جانبه لهم ويخفض جناحه لهم ولا يؤثر نفسه عليهم بشىء فيغشهم وينبغي ذكر الحكايات على الاكل لأن في سماعها استمرار للآكلين على الأكل وإطالة الجلوس عليه‏.‏

والبهم ضم الباء جمع بهمة وهي الصغيرة من الغنم والهمل الدواب وإذا فرغ من الأكل استحب له أن يلعق يديه أو يلعقها غيره الحديث الوارد في ذلك ولا يمسح يديه بالخبز لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أكرموا الخبز فإن الله أنزله من بركات السماء

وفي المسح امتهان له وكذا ينبغي له ألا يمسح بالسماط فيلوثه على أصحابه قال النووي رحمه الله في ‏[‏فتاويه‏]‏ لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بتصغير اللقمة ولا بتدقيق المضغ قبل البلع ولكن نقل العبادي في ‏[‏الطبقات‏]‏عن الربيع عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال في الأكل أربعة أشياء فرض واربعة سنة وأربعة أدب أما الفرض فغسل اليد والقصعة والسكين والمغرفة والسنة الجلوس على اليسار وتصغير اللقمة والمضغ الشديد ولعق الاصابع والادب ألا تمد يدكن حتى يمد من هو أكبر منك والأكل مما يليك وقلة الكلام الطرائفي هذه عبارته وهو مخالف لما ذكر النووي وينبغي للآكل ألا يقيم غيره عن الاكل قبل فراغه منه لأن الآكلين أن انتظروه شق عليهم الانتظار وإن أكلوا دونه كان فيه تمييزا عليه‏.‏

والجعل دويبه سوداء إذا ذمت العرب شخصا شبهته بها وقد تقدم

وَالأَكلُ هَل تَملِكُ الضيفانَ قُلتُ نَعَم ** فَبِازَدراد أمِ التَقديم لِلآكلِ

أُم بِالتَناوُلِ أم بِالوَضعِ في فَمَهِم ** صَحِح أَخيراً عَنِ الشَرحِ الصَغيرِ قُل

وَقيلَ ما مَلَكوا بِل شِبهَ ما أَكلوا ** كَشَبهِ عارِيَةٍ فَاحفَظ عَلى مَهلِ

اختلفوا في أن الضيف هل يملك الطعام الموضوع للأكل أم لا يملك على وجهين أحدهما هو امتاع كالعارية والأصح أنه يملك وعلى هذا فقيل بالوضع بين يديه وقيل بتناوله بيديه وقيل بابتلاعه وقيل بوضعه في فمه ونقل ترجيحه عن الشرح الصغير وقيل بالازدراد‏.‏

والثاني أنه لا يملك الطعام بل شبه الذي يأكله كشبه العارية ولهذا لا يجوز اطعام الهرة ولا أن ينقله إلى غيره وتظهر فائدة الخلاف فيما لو أكل الضيف فيما لو أكل الضيف تمرا وطرح نواه فنبت فلم يكن شجرة وفيما لو رجع صاحب الطعام قبل أن يبتلعه

بَعدَ الكِفايَةِ قُل لِلهِ خالِقُنا ** حَمداً وَشُكراً وَسَلهُ الفَضلَ وَابتَهِل

يستحب للآكل أن يحمد الله تعالى ويسأله المزيد من فضله ويستحب أن يقول‏:‏ ‏(‏الحمدلله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفى ولا مكفور ولا مودع ولا مستغني عنه ربنا‏)‏ أخرجه البخاري‏.‏

وَبعدَ أَكلٍ فَبارِك بِالدُعاءِ وَقُم ** إِن انتِشارَكَ قَصدُ راجِحِ العَملِ

يستحب للآكل إذا فرغ من الأكل ألا يطيل الجلوس من غير حاجة بل يستأذن رب المنزل وينصرف لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِذا طعمتم فانتشروا‏}‏ ‏[‏الآية‏:‏ 53 - الاحزاب‏]‏ إنما يستحب إستئذان رب المنزل لاحتمال أن يكون عنده شيء آخر يقدمه اليهم قال وينبغي لرب المنزل أن يشيع الضيف إلى خارج الدار ولا يحل للضيف أن يكلف المضيف ولا أن يقعد عنده أكثر من ثلاثة أيام لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏حق الضيافة ثلاثة أيام وجائزته يوم وليلة ولا يحل للرجل أن يقيم عند أحد حتى يؤثمه قالوا يارسول الله كيف يؤثمه قال يقيم عنده وليس عنده شيء يقريه‏)‏‏.‏

وَبَعدَ أكلٍ فَلا تَحمِل طَعامَهُم ** فَزَلَةُ الحَملِ عَدوها مِنَ الزُلَلِ

يحرم على الآكل بعد الاكل أن يحمل معه خبزا أو طعاما أو لحما وهذه سماها الغزالي بذلة الصوفي فقال‏:‏ ‏[‏وذلة الصوفي حرام فإن علم الرضا فسيأتي

وَاعزِم عَلى ضَيفنٍ خَلفَ الضيُوفِ أَتى ** وَابعَث طَعاماً لِمَن تَبغيهِ بِالبُجلِ

إذا علم رضا صاحب الطعام جاز للضيف أن يعزم على غيره ليأكل معه ويبعث بالطعام إلى من يشاء ويأكل على الشبع ويحمل إلى أهله فإن شك في رضاه حرم عليه جميع ذلك والضيغن الذي يتبع الضيف من غير عزومة وهو بنون في آخره وهو الطفيليى كما سبق‏.‏

وَإِن دَخلتَ إِلى بَيتِ الصَديقِ فَكُل ** عِندَ اليَقينِ وَعِندَ الشَكِ لا تَنَل

أَخَذَ الدَراهِمَ بِالإِجماعِ قَد مُنِعوا ** عَكسَ الطَعامِ فَدَع مِن قاسَ بِالعُطلِ

قالَ النَواوي

كَم في المَنعِ مِن عِلَلٍ أَخَذَ ** الدَراهِمَ كالمَطعومِ فانتَحِل

يجوز الأكل من بيت الصديق في حال غيبته قال تعالى‏:‏ ‏{‏أو صديقكم‏}‏ ‏[‏الآية‏:‏ 61 - النور‏]‏‏.‏ وجواز الاكل مخصوص بحالة العلم بالرضى وعند الشك في الرضى يحرم وكذا الحكم في غير الصديق ونقل النووي في شرح مسلم الاجماع على امتناع أخذ الدراهم عند العلم بالرضا ثم قال وفيه نظر وينبغي جواز الاخذ عند العلم كما يجوز الأكل‏.‏ولا شك أن اباحة مال الغير على خلاف الأصل والآية إنما وردت في الاكل رخصة فلا قياس عليه غيره لأن شرط القياس ألا يكون المقيس عليه شاذا عن الأصول وينبغي التنبوء ها هنا لأمر وهو أن أخذ الدراهم له صورتان الصورة الاولى أن لا يرضى صاحبها بأخذها مجانا ويرضى بأن يأخذها ويردها أو يرد بدلها على نية القرض وهذا ينبغي أن يكون هو المراد بالاجماع عليه لأن أخذها على نية القرض معاوضة وشرطها أن تكون بعقد والعقد لا يكون من شخص واحد والمعاوضة الفاسدة يكون على المأخوذ بها حرام فتحريم الأخذ لفساد المعاوضة لا لعدم الرضى كما نقول في البيع الفاسد يحرم التصرف في المأخوذ به وإن كان الرضى موجود الثانية أن يقوم عنده دليل على جواز رضى الأخذ من غير بدل فهذا نظر فقد يقال يجوز كالطعام وقد يقال بامتناعه لأن الغالب عدم الرضى بأخذ الأموال ولهذا تصان ويختم عليها بخلاف الطعام ولا نظر إلى شذوذ بعض الاحوال لأن أحكام الشرع إنما تبنى على الغالب فظهر أن القياس الذي قاله النووي قياس خفي لا يصح الإلحاق فيه لقيام الفارق الجلي‏.‏

وَأن مَلَكتَ طَعامَ الفَضلِ فادعُ لَهُ ** جَمعاً مِنَ القَومِ لا تَمنعهُ مِن بُخلٍ

لا تَقبِضِ اليَدَ عَن مَعروفٍ ما وَجدَتَ ** وَعودُ البَسطِ ما عَوَدتَ مِن شَلَلِ

إِنَّ البَخيلَ لِيةٌ وَفي السَماءِ فَكُن ** عَن وَضعِهِ نائِياً تَرقى إِلى نُزلِ

طعام الفضل هو الفاضل عن كفايته وكفاية عياله وقوله وعود البسط ما عودت من شلل يعني عود يدك البسط في المعروف ولا تجعلها مغلولة كاليد الشلل التي لا يعطى بها شيء لتعطيل منفعتها فهي شلا عن فعل الخير كما أن اليد الشلا مغلولة عن التصرف حسا فعودها البسط في المعروف كما عودتها القبض لأن اليد كلما قبضت كانت شلا عن فعل الخير كما أن اليد الشلا مغلولة عن التصرف حسا فعودها البسط في المعروف كما عودتها القبض لأن اليد كلما قبضت كانت شلا عن فعل الخير والبخيل هو الذي يمنع الزكاة ولا يقري الضيف ويسمى في السماء يتيما وبخيلا أيضا‏.‏

قوله فكن عن وضعه نائيا أي بعديا والناي البعيد والنزل مرة يستعلم في الطعام المعد للضيف ومرة في ازادة المنزلة ومن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلوا الصالِحاتِ كانَت لَهُم جَناتُ الفِردَوسِ نُزلاً‏}‏ ‏[‏الآية 107 - الكهف‏]‏‏.‏

وَإِن دَعوتَ ضيوفاً فاتَخِذ لَهُموا ** قَدرَ الكِفايَةِ أو فاترُكهُ وَأنسلِ

إذا كان الطعام قليلا والضيوف كثيرة قال الغزالي الأولى ترك الدعوة لأنه ربما توقعهم في الخوض فيه وهذا لعلة محمولة على من كان واجدا للزيادة فتركها بخلا أما الذي لا يجد إلا ما قدمه فلا ينبغي الترك وعلى هذا يحمل قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من استقل حرم‏)‏ وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تحقرن جارة لجارتها

وَأن طَبَختَ فاكثِر مِن مَريقَتِها ** وَأَعطِف عَلى الجارِ أو فادعوهُ لِلأكلِ

فَفي الصَحيحِ طَعامُ اِثنَينِ أربَعةٍ ** يِكفي وفي واحِدٍ يَكفيهِ مَعَ رَجلٍ

وَأربَع لِثمانٍ أَن يَضَع أَكلاً ** لا تَغلِق البابَ وَادعو دَعوَةَ الجُعلا

ينبغي للآكل إذا وضع طعاما فيه فضل أن يدعو الناس للأكل فلعله يصادف صالحا يأكل من طعامه فيغفر له بسببه ويقال دعوة الجعلا إذا كانت الدعوة عامة ودعوة النقرى إذا كانت الدعوة خاصة قال طرفة‏:‏ وَنَحنُ في الشِتاءِ نَدعو الجُعلا لا تًرى الأَدبَ فينا يَنتَقِرِ وصف قبيلته بغاية الكرم لأن زمن الشتاء وقت ضيق ومع ذلك يدعون الناس دعوة الجعلافَقُدرَةُ اللَهِ خَلقُ الرَي مَعَ شَبَعٍ ** لا بِالطَعامِ وَشُربِ العَل وَالنَهلِ

مذهب أهل السنة أن الشبع هو الذي لا يحصل بنفس الأكل والري بل يخلق الله الشبع عند الاكل ولهذا تجد من الناس من يأكل ولا يشبع والشرب الأول يسمى نهلا بفتح النون والهاء والشرب الثاني يسمى عللا

كانَ الخَليلُ أبونا عِندَ خَلقِهِ ** يَمشي إِلى المَيلِ يَدعو الضَيفَ للِلأكلِ

مِن صِدقِ نِيَتِهِ دامَت ضيافَتُهُ ** إِلى القِيامِ فاتَبِع شِرعَةَ الرُسُلِ

كان أبونا إبراهيم صلى الله عليه على نبينا وعليه وسلم إذا أراد الأكل يمشي الميل والميلين يلتمس من يتغدى معه وكان يكنى ‏[‏أبا الضيفان‏]‏ ولصدق نيته دامت ضيافته في مشهده إلى يومنا هذا فلا تنقضي ليلة إلا ويأكل عنده جماعة ما بين ثلاثة إلى عشرة إلى مائة إلى ما لا يعلمه إلى الله تعالى قال الغزالي رحمه الله وقال قوام الموضع أنه إلى الآن لم تخل ليلة من الضيوف متجددين أبدا‏.‏

وَلا تُكَلِف لِضيَيفٍ ما سَتَطعَمُهُ ** ضِع ما تَيَسَرَ لَيسَ البِرُ في الثِقَلِ

لا ينبغي لأحد أن يتكلف للضيف بتحصيل ما ليس عنده بل يقدم إليه ما كان في وسعه ولا يتكلف له القرض والشراء بالدين ونحوه لقوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏أنا والأتقياء من أمتي براء من التكلف‏)‏‏.‏ وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تتكلفوا للضيف فتبغضوه فإن من يبغض الضيف فقد أبغض الله ومن أبغض الله أبغضه‏)‏‏.‏ وقال سلمان الفارسي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أن لا نتكلف للضيف ما ليس عندنا وأن نقدم له ما حضر

وفي حديث يونس النبي عليه السلام إن زاره اخوانه فقدم إليهم كسرا وجز لهم بقلا كان يزرعه ثم قال لهم‏:‏ كلوا لولا أن الله لعن المتكلفين لتكلفت لكم

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه وغيره من الصحابة أنهم كانوا يقدمون ما حضر من الكسر اليابسة وحشف التمر ويقولون لا ندريأيهما أعظم وزرا الذي يحتقر ما يقدم إليه أو الذي يحتقر ما عنده وهذا معنى قوله في البيت ليس البر في الثقل أي ليس العمل الصالح في التكليف وَإِن دَعوتَ فَلا تَحلِف عَلى أحدٍ ** وَلا لِيَأكُل فَاسمُ الله ذو جَلَلِ

في قَولِ كُلِ وائتني تُجبِر ** مِن يَدعُنا دِع القَسامَةَ وَالضيفانَ فاستَمِل

قال الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام الطعام أصون من أن يحلف عليه فينبغي لداعي الضيف أن لا يقسم عليه بالله بل يتلطف بقوله ائتني تجبر ونحو ذلك وإذا رآه مقصرا في الأكل كرر عليه العزيمة ولا يزد على قوله كل ثلاث مرات

والذي روى عن الحسن قد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما ما يخالفه فإنه قال لكل قادم دهشة فابدأوه بالسلام ولكل أكل حشمة فابدأوه باليمين بذكره ابن السيد في ‏[‏شرح أدب الكاتب‏]‏ قوله دع القسامة أي أترك الحلف فاسم الله تعالى عظيم ينبغي احترامه ولأنه قد يحلف على من لا يريد الحضور مكلفة ذلك وفيه مشقة قوله وباسم الله فاستمل أي إذا دعوت أحدا فقل باسم الله عندنا ونحو ذلك‏.‏وَاخصُص بِدَعوَتِكَ الأبرارَ وَادعهُمو ** وَدَع ذَوي الفسق تحوي الرشد

في العمل ينبغي لمريد الضيافة أن يخص بدعوته الأبرار والأتقياء دون الأشرار والأشقياء لأن الأبرار يستعينون به على المعصية فيكون معينا لهم وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏لا يأكل طعامك إلا الأبرار‏}‏ وعن بعض الأنبياء أنه استضافه نصراني فلم يطعمه لكفره فلما ولى النصراني بكا فأوحى الله إلى ذلك النبي أن له كذا وكذا سنة يكفر بي وأنا أطعمه وأرزقه فهلا أطعمته ساعة واحد فدعى النبي النصراني وأطعمه فسأله النصراني عن منعه أولا ودعائه ثانيا فذكر له الواقعة فأسلم النصراني‏.‏

وَكُل مَعَ الضَيفِ أَن تَلقاهُ مُحتَشِماً ** وَإِن تَكُن صائماً أَفطَرَ مِنَ النَفلِ

إن كان الضيف يستحي بمن الأكل وحدهيستحب ينبغي للمضيف أن يأكل معه فإن كان صائما نفلا أفطر وأكل معه فإن لم يفطر وشق عليه الفطر فليدع من يأكل معه

وَاحطُط بِمائِدَةِ مِلحِ الجَريشِ وَضِع ** كُلَ البُقولِ سِوى الكُراثِ وَالبَصَلِ

وَالحَلُ قالوا لَهُ أَيضاً مُناسَبَةً ** وَكَوزُ ماءٍ لِيَشفى غُصَةَ الأَكلِ

من الآداب المتعلقة بالمائدة أن يوضع عليها مع الخبز ملح وبقل يقال أن الملائكة تحضر المائدة إذا كان عليها بقل ولا تضع عليها ثوما ولا كراثا ولا بصلا ولا ما له رائحة كريهة فإن الملائكة تتأذى برائحته وفي الخبر أن المائدة التي نزلت على بني إسرائيل كان عليها من كل البقول إلا الكراث وكان عليها سمكة عند رأسها خل وعند ذنبها ملح وسبعة أرغفة على رغيف زيتون وحب رمان قال الغزالي في ‏[‏الاحياء‏]‏ فهذا إذا اجتمع فهو حسن للموافقة‏.‏

وَابدأ بِأَفضَلِهِم في الشُربِ ثُمَّ بِمَن ** عَنِ اليَمينِ وَدُر بِالطَشتِ لِلغَسلِ

إذا أراد سقي القوم استحب له أن يبدأ بأكرمهم وأفضلهم ثم بمن عن يمينه وهكذا أبداً إلى أن ينتهي إلى الأول الذي بدأ به للحديث الوارد في ذلك وكذا يفعل في تقديم الطشت إليهم لغسل أيديهم

وَقَدِم الأَكلَ في وَقتِ الصَلاةِ عَلى ** فِعلِ الفَرائِضِ في الإبكارِ وَالأَصلِ

إِلاّ إِذا لَم تَثِقِ أَو خَفَت ضَيعَتَها ** فَأَرعا الصَلاةَ وَأديَ راتِباً وَكُل

وَكُل مَعَ الزَوجِ وَالمَملَوكِ وَادعُهُما ** وَكُل مَعَ الطِفلِ وَالزَم سُنَةَ الرُسُلِ

 يستحب تقديم الأكل على فعل الفريضة

يستحب تقديم الأكل على فعل الفريضة في الغدو والاصال إذا كانت نفسه تشوق إلى الطعام هذا إذا لم يخش فوات الفريضة فإن خشي فواتها بأن ضاق وقتها وجب تقديمها ويستحب تقديم الصلاة على الأكل في الاولى ويجب في الثانية وكذلك يستحب تقديم سنتها على الأكل إذا خشي فوات الوقت ويستحب الأكل مع الزوجة والمملوك والأطفال‏.‏

في سُنَة المُصطُفى لِقَطِ اللِبابِ أتى **دِع التَكبُر وَالقِط لَقطَ مُبتَهِلِ

إن الغَبيَ الَّذي في عَقلِهِ دَخلٍ ** يَرى الفَنا بِلَقَط اللَقَط وَالخَولِ

وَقَد رَووا أن مَهرَ الحِسانِ غَذا ** فَكيفَ تَترُكهُ يا واضِحَ الخَبَلِ

لقط اللباب الساقط حول الآن مستحب لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا وقعت اللقمة من ‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ وهذا إذا كان المحل طاهرا فان سقطت على مكان متنجس حرم أكلها قبل الغسل والغبي الجاهل والخول الخدم والفنا الاستفنا واصل الخبل القطع ومن قول الشاعر ابنى سلما لستما بيده إلا يدا مخبولة العضد‏.‏

أي مقطوعة العضد ولما كان المجنون مقطوع العقل سمي مخبولا قال بعضهم ترك لقط اللباب يورث الفقر

في ضِمنِ لَحَسِ الإِنا عَفوٍ ومَغفِرَةٍ ** فَكيفَ يَترُكُها فَاسِن مِنَ السُبُلِ

وفي الحديث ‏(‏القصعة تستغفر للاعقها‏)‏ والسر فيه أن لحس الأناء تواضع وفي تركه تكبر ثم الاستغفار من الانا يحتمل أن يكون حقيقة كما أنه يسبح الله تعالى ويحتمل أن يكون المراد أن يكتب للاحسه أجر مستغفر مدة لحسه للأناء وذكر بعضهم أن الاناء لا يزال يستغفر لماسحه حتى ينزله طعام آخر

وَلا تَكُن آكلاً قوتاً عَلى شَبَعٍ ** فَأصلُ كُلِ داءٍ مِن ذاكَ مُتَصِلُ

وَلا تُكن آكلاً وَالعَينُ ناظِرَةً ** إنَّ البَلاءَ مِنَ العَينَينِ مُنفَصِلُ

وَالأكلُ في السوقِ مَنقولٌ كَراهَتُهُ ** قالوا وَفاعِلُهُ يَنحَطُ في السُفَلِ

وَوَجهُ تَحريمِهِ قَد قيلَ ثالِثُها ** بَعدَ التَحَمُلِ فاحفَظ ثِقَلَ ذي فَضلِ

لا بَأسَ بِالشُربِ فيما سامَحوكَ بِهِ ** وَفي خُروجِ قِطَعِ العَكوفِ جَلى

أكل القوت على الشبع هو البردة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أصل كل داء البردة‏)‏ سميت بردة لأنها تبرد المعدة عن الهضم فيتولد من الطعام بلاغم وفضلات مضرة لعدم نضجها بسبب برودة المعدة قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ما ملأ ابن آدم وعاءا شرا من بطنه‏)‏ وقال بعضهم البطنة تذهب الفطنة ويكره الأكل بحضرة من ينظر إلى الطعام إذا كان يشتهيه ولو كان قطا أو كلبا لأنه يقال أنه ينفصل من عينه سموم تركب الطعام لآدواء لها إلا بان يلقى إليه بشيء من ذلك الطعام أعني للناظر غليه ويكره الأكل في السوق لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الأكل في السوق دناة‏)‏ وقيل هو حرام وقيل إن كان قد تحمل شهادة حرم عليه وإلا فلا والفرق أنه إذا تحمل ثم أكل في السوق انحط مع السفل وسقطت شهادته وضاع حق من استشهده ولا بأس بالشرب في السوق لنقص زمنه ولا يجوز للمعتكف الخروج للشرب ويجوز الخروج للأكل‏.‏

وفي الصَحيحِ نَهى عَن شُربِ قائِمِنا ** وَبِاستِقأة ناسي النَهي في نَهَلِ

فَبَعضُهُم قالَ عَم النَهيُ فاعِلُهُ ** وَبَعضُهُم خَصَّهُ بِالسَيرِ لِلعَجَلِ

قالوا وَفي خَبرٍ قَد صَحَ عَن أَنسٍ ** لِحاقُ أَكلٍ بِشربٍ فالقِيامُ زَلىء

قالَ الَنواوي وَالمُختارُ عِندَهُمُوا ** طَلقُ الإباحَةِ عَن أخبارِنا الأُولى

أَظنُهُم فَهِموا الإرشادَ ما فَهِموا ** كَراهَةَ الدَني خُذوا الفَهمَ مِن قَبلي

جاء في الصحيح النهي عن الشرب قائما وأمر من نسي فشرب قائما بالاستقأة واختلفوا في النهي فقيل هو عام في كل أحد وقال ابن قتيبة والمتولي هو مخصوص بحالة السير لأجل العجالة وعدم التأني فيه أما إذا شرب وهو واقف فلا كراهة وأمره صلى الله عليه وسلم الشارب قائما باستقأة ما شرب يدل على أن فيه ضرر من جهة الطب فالكراهة ارداشية والنهي ارشادي أي راجع لمصلحة دنيوية لا إلى مصلحة دينية أي ترجع إلى مصلحة الدنيا لحفظ البدن لا كراهة شرعية ترد لمصلحة الدين فأما الأكل قائما وماشيا فقال أنس رضي الله عنه هو أبشع من الشرب قائما وكرهه قال النووي وكذا الغزالي رحمهما الله والمختار الابحاة لقول ابن عمر رضي الله عنهما كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نأكل ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام قال الغزالي رحمه الله الجمع بينهما أن الاكل في السوق تواضع وترك تكلف من بعض الناس فهو حسن من بعض الناس وخرق مرؤة من بعضهم فهو مكروه وبهذا ظهر أنهم فهموا أن الكراهة ارشادية لا دينية في الأكل والشرب معا‏.‏

مُشمِسِ الماء فيهِ النَهيُ مُحتَمَلُ ** وَنَصُّهُ يَعضُدُ الإرشادَ فامتَثِلِ

وَإِن يَطبُخوا زالَت كَراهَتُهُ ** أعني بِهِ جامداً عَنهُ فَلا تَحِلِ

يكره شرب الماء المشمس لما اختلفوا في الكراهة هل هي ارشادية أو دينية والصحيح إنها دينية ونص الشافعي رضي الله عنه يدل على أنها ارشادية فإنه قال لا أكره المشمس وقد كرهه كاره من جهة الطب فهذه عبارة الشافعي وروى المزني أنه قال لا أكره المشمس إلا أنه يكره من جهة الطب واعترض عليه الصيدلاني بأن هذه ليست عبارة الشافعي ولو طبخ بالمشمس طعام زالت الكراهة أن كان الطعام جامدا قاله الماوردي‏.‏

فَمُ المَزادَةِ مَكروهٌ فَدِعهُ فَقَد ** يَأتيكَ مِن داخِل نَوعٌ مِنَ الدَخلِ

المزادة القربة ‏(‏نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من فم السقا‏)‏ لأنه قد يخرج من فم المزادة ماينغص الشرب أو يؤذي الشارب من قش ونحوه ولأنه يغير رائحة فمها ولأنه يملأ البطن ريحا كما قال ابن الجوزي في طبه قال اعني ابن الجوزي ينبغي أن لا يشرب الانسان الماء حتى ينحدر الطعام من البطن الاعلى ثم انظر ما يرويك فاشرب الطفله فذلك اصلح لبدنك وأقوى لمعدتك واهضم لطعامك فإن الاكثار من الماء ابارد يبرد ويرطب ويضعف الحرارة الغريزية والعطش يجفف الجسم ويظلم البصر

وَماءُ قَومٍ عَصَوا بِالعَقرِ رَبَهُمُوا ** َذَبوا صالِحاً بِن عَنهُ وَاعتَزِلِ

اكفَى قُدورَكَ وَاطرَح ما بِهِ عَجَنوا ** إلى النَواضِحِ وَاليحمورُ وَالجَمَل

وَبِئرُ ناقَتَهُم فيها الشِفا فَكُن ** في عُلوِها ماتِحاً أو مايح السُفُلِ

ماء آبار ثمود يكره شربه والطبخ به وكذا العجن وينبغي اراقة ما طبخ به وطرح ما عجن به إلى النواضح وهي البقر واليحمور لغة في الحمار ولاسبب فيه أنه ماء مغضوب عليه ويستثنى من ذلك بئر الناقة فلا يكره شرب مائها والماتح بالتاء المثناة فوق من ينزح الماء من أعلا البئر والمايح بالمثناة من تحت من ينزح الماء من أسفل البئر

وَقَومُ لُوطٍ لَهُم في حُكمِ مائِهِمى ** فَخَل آثارَهُم وَاقصِد إلى حَولِ

غَطا جَهَنَمَ بَحرُ المِلحِ قالَ فَلا ** يَجوزُ طَهي بِهِ باديَ السَنا عَلى

أعني بِهِ وَلَهُ الفاروقُ عَنهُ ** رَووا كذا اِبنُ عَمرو وَعَنهُ الجَمرُ

في عَذلِ ديار قوم لوط مغضوب عليها ويكره استعمال مائها وأما ماء بحر الملح فقال عبدالله بن عمر وعبد الله بن عمرو لا يجوز الطهارة بمائة لأنه غطاء لجهنم فهو مغصوب والدليل على أن جهنم تحت الملح وأنه غطاء لها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏اِِغرِقوا فادخُلوا ناراً‏}‏ واتفق الجمهور على جواز الطهارة به للحديث الصحيح

وَقيلَ شُربٌ فَكُل ما شِئتَ مُنبَسِطاً ** وَبَعدَ شُربٍ فَدَع لِلهَضمِ وَامتَثِل

وَفي الآَنا لا تَتَنَفَس وَاحتَرِم أبداً **نَفخُ الطَعامِ وَكُن في الحازِدا مَهلٌ

وَانظُر فَمُ الكُوزِ قَبلَ الشُربِ وَانتَحِ ** في وَفَت التَنَفُسِ وَاترُك ذي دَغَلِ

قال الغزالي في ‏[‏الاحياء‏]‏ إدخال الطعام على الطعام أنه يكره من جهة الطب إذا شرب على ما أكله أولا فأما قبل الشرب فله أن يأكل ما شاء ولا يضره ذلك فإن شرب فليصبر إلى هضم الطعام الأول ويكسره التنفس في الآنا ونفخ الطعام ليبرد فإذا كان الطعام حارا صبر حتى يبرد وإذا أتي بكوز فلينظر إلى حلقه قبل الشرب فقد يكون فيه شيء يؤذيه ويستحب تنحية رأسه عن الكوز عند إرادة التنفس ولا يتنفس داخل الكوز ولا ينفخ في الماء وإذا شرب فليقلل من الشرب وليشرب قليلا قليلاً قال بعضهم اتفق سبعون حكيما على أن كثرة النوم من شرب الماء‏.‏

وَلا تُكن نافِخاً لِتَسلَخَها ** فَعَن عَليَّ رَووا النَهي فامتَثِلِ

وَأن تَكُن جازِراً فامنَعهُ عادَتُهُ ** كَما نَهاه الرِضى فازجُر وَلا تَهِلِ

نقل الحليمي هذا في المنهاج عن علي رضي الله عنه أنه رأى اللحم كالطعام فكره نفخه ونهى القصابين عن نفخ الشاة قبل السلخ والجازر هو القصاب بالصاد المهملة وبالباء الموحدة في آخره

وَثُلُثُ الشُربِ أَنفاساً وَسَمِ ** عَلى كُلِ الثَلاثِ لِتحوي زاكيَ العَمَلِ

لا تَكثُرِ الشُربَ في وَسَطِ الطَعامِ سِوى ** إِن كُنتَ في غَصَةٍ فاشرِ بِهِ لِلبُلَلِ

أو كُنتَ ظَمآنَ صالِ فالتَمسهُ ** فَقَد نَصُ الأطبا عَلى نَفي بِلا عُلَلِ

وَشُربُكَ الماءُ مُصاً فِعلُهُ حَسنٌ ** داءُ الكِبادِ رَووا مِن عَلى مُنتَهِل

 يستحب شرب الماء على ثلاثة انفاس

يستحب شرب الماء على ثلاثة انفاس يسمي الله في كل نفس ويحمده في آخره قال الغزالي رحمه الله تقول في آخر الأول الحمد لله وفي آخر الثاني الحمد لله رب العالمين وآخر الثالث الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم وإذا كان في أثناء الأكل فينبغي له ترك الشرب إلا أن يغص بلقمة فيشربه للحاجة قال الغزالي في الأحياء إذا صدف عطشه فإنه يستحب له الشرب من جهة الطب قال يقال إنه دباغ إذا صدف عطشه فإنه يستحب له الشرب من جهة الطب قال يقال أنه دباغ المعدة وإذا شرب الماء مصه لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَصّوا الماء مصاً وَلا تَعُبوه عباً فإن الكباد من العب‏)‏ والكُباد بضم الكاف وفتح الباء الموحدة قيل وجع الكبد والمنتهل الشارب وهو الشرب الأول ويستحب عب اللبن لأنه طعام وفي الحديث ‏(‏إن كان شيء يغني عن الطعام والشراب فهو اللبن‏)‏ والعرب تجتزي عن الطعام والشراب باللبن‏.‏

وَالتَمرُ وَالماءُ قالوا الاسودان هُما ** فاقصِد إلى حِفظِ ما قَد جاءَ في المَثلِ

وَالابيَضانِ فَقالوا التَمرُ مَعَ لَبَن ** فَقَلَبوا واحِداً كَالعَصرِ في الأَصلِ

العرب تقول التمر والماء الاسودان واللبن والتمر الابيضان غلبوا التمر على الماء واللبن على التمر كما غلبوا العصر على الظهر فقالوا العصران للظهر والعصر وكما قالوا لأبي بكر وعمر العمران والليل والنهار العصران قال الشاعر‏:‏ قال الخطابي في قوله صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه صل العصرين إنهما العصر والصبح قال غلب العصر على الصبح قال وعندي انهما سيما بذلك لأنهما يفعلان في طرفي العصرين وهما الليل والنهار فلا تغلب قال الحموي في ‏[‏شرح التنبيه‏]‏ سميت العصر عصرا لأنها تعاصر وقت المغرب وفي هذا نظر لأن وقت العشاء أيضا يمتد إلى وقت الصبح ويظهر أن العصر أنما سميت عصرا لأنها تفعل في آخر النهار وآخر النهار عصارته إذ عصارة الشيء بقية وتسمية الصبح والعصر بالعصرين لأنهما صلاتي العصرين لأن كل واحدة من عصر وليستا من عصر واحد لأن اليوم في اللغة أنما يكون من طلوع الشمس‏.‏

أكَلَ التَناهُلُ فيه البَرّ في حَضَرٍ ** وَرِفقُ سَفَراتي في الحَملِ والأَكلِ

أَكلَ الزَهيلُ مَعَ المَفهومِ مَغفِرَةً ** خَلطُ الوَصي بِمالِ الطِفلِ لَم يَبَل

التناهل أن يخلط القوم ازوادهم في السفر أو في الحضر ويأكلون وتسمى المخارجة في الحضر وهو أن يدفع كل إنسان شيئا ويشتروا به طعاما وهو محبوب لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فابَعَثوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُم هَذَهِ إِلى المَدينَةِ فَلَيَنظُر أَيُها أَزكَى طَعاماً فَليَأتِكُم بِرزقٍ مِنهُ‏}‏الكهف وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اجتمعوا على طعامكم يبارك لكم فيه‏)‏ وهي للمسافر أيضا مستحبة لأن ينالهم رفق في حمل الزاد وحفظه ولا نظر الحاكون بعضهم أكثر أكلامن بطن لأن هذا متسامح به عادة

وَإِن خُتِمَت بِملحٍ وَابتَدَأَت بِهِ ** كَفيتُ كُلَ دا مِن فِعلٍ مُتَصَلِ

من سورة الخَوفِ وَالإِخلاصِ فَضلُ غَناً ** بَعدَ الطَعامِ وَأمنُ الخائِفِ الوَجَلِ

قال علي رضي الله عنه من ابتدأ غداه بالملح أيضا قال الغزالي وفي قرأة سورة الخوف وسورة الاخلاص بعد الطعام أمانا من ضرره

مِن تُخمَةٍ شَهِدَ اللَهُ العَظيمُ شَفت ** أن تَتلُها قال كَعبٌ حالَةَ الأكلِ

في مختصر حلية الأولياء عن كعب الاحبار رضي الله عنه قال من قرأ شهد الله أنه لا إله إلا الله إلى آخر الآية عند الأكل أمن التخمة من ذلك الطعام‏.‏

أبو نَعيمٍ رَوى التَخليلَ في خَبرِ ** عَن سَيدِ الرُسُلِ فالزَم سُنَةَ الرُسُلِ

عَلى مَلائِكَةٍ شَقَت رَوابِجَهُ فانهَض ** وَتُف الَّذي قَد قَر في الخَلَلِ

فَإِن قَلعتَ طَعاماً فاطرحهُ سِوى ** قَلعُ اللِسانِ فَكُل لا كُرهَ في الأكلِ

عَليه نَصُ الإِمامِ الشافِعي فَخُذ ** وَغَسلُ فَمٍ رَوُوا عَن أَهلِ بَيتٍ عَلي

وَلا تَخلُل بِعودٍ قَط مِن قَصبِ ** تَرى تَأكُل فَمَ غَيرِ مُندَمِلِ

وَقَد نَهى عُمرٌ عَن ذاك فاعِلُهُ ** وَوَجهُ المَنعِ لِلأَفاقِ بِالرُسُلِ

روى أبو نعيم في ‏[‏تاريخ اصبهان‏]‏عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏تخللوا فإنه نظافة والنظافة تدعوا إلى الإيمان والإيمان مع صاحبه في الجنة‏)‏‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏نقوا أفواهكم بالخلال فإنها مسكن الملكين الحافظين الكابتين‏)‏ وإن مدادهما الريق وقلمهما اللسان وليس شيء أشد عليهما من بقايا الطعام في الفم وإذا قلع بالخلال طعامه استحب طرحه وكره ابتلاعه وإن قلعه بلسانه لم يكره ابتلاعه نص عليه الشافعي رضي الله عنه وذكر الغزالي رحمه الله أن غسل الفم بعد الطعام مستحب رواه في الاحياء عن أهل البيت عليهم السلام وينبغي استحباب ابتلاع ما به لما فيه من أثر الطعام كما يستحب لعِق الاصابع وابتلاع ما يتعلق من الطعام بين الأسنان بلسانه قال الحليمي في ‏[‏المنهاج‏]‏ ويكره الخلال بعود القصب لأنه يفسد لحم الانسان وروي أنه عمر رضي الله عنه رأى رجلا بأسنانه تأكل فسأله عنه وذكر أنه تخلل بعود قصب فنهاه عن ذلك وكتب إلى الآفاق ينهانهم عن الخلال بالقصب وفي طب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم كراهة الخلال بالقصب أيضا وكراهة الخلال بعود الرمان والريحان والسواك بهما لأنهما يثيران عرق الجذام وفيه كراهة الخلال بعود الخوص أيضا‏.‏

داوِم عَلى أكلِ وَترٍ مِن الثِمارِ تَرى ** بِهِ الدَو السِحرُ النافِثُ الغُسلِ

قال في الاحياء داوم على أكثل وتر من التمراي وتر كان يكفى شر السحرة ولن يضره سحر من أكل سبع تمرات في أي وقت كان قتلت كل داية في بطنه ومن أكل كل يوم احدى وعشرين زبيبة حمرا لم ير في بدنه داء أبدا

وفي طب أهل بيت النبوة أن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الزبيب الأحمر يطفىء المزينة بالوصب ويطيب النفس

قال ابن الجوزي في ‏[‏طبه‏]‏ الزبيب صديق المعدة والكبد يجيد الذهن وينفع من قد اجتمعت في بطنه اخلاط بلغمية إلا أنه يحرق الدم ودفع ضرره بالخيار

وَخَمسَةٌ قَد رَوُوا تَعجيلَها حَسنٌ ** وَفي سِواها تاني واسعَ في مَهلِ

تَزويجِ كُفؤٍ وَمَيتَ هاكَ ثالِثُها ** دَفعُ الديونِ وَتُب لِلَهِ مِن زُلَلِ

وَالخامِسُ الضَيفُ إِن يَأتِيَكَ في نُزلِ ** فَكُن لَهُ بِالقُرى بِالجِدِ وَالعَجَلِ

ذكر في الإحياء أنه تستحب المبادرة إلى خمسة أشياء تزويج الكفؤ ودفن الميت ودفع الديون والتوبة والضيف يعجل له الطعام وهو القرى بكسر القاف يقال إنها مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى عن إبراهيم‏:‏ ‏{‏فَراغَ إلى أَهلِهِ فَجاءِ بِعِجلٍ سَمين‏}‏والروغان الذهاب بسرعة قيل ولأَجل عجلته سمي ولد البقرة عجلا‏.‏

اِلبَس نَظيفَ ثِيابٍ وَاطرَح دَنَساً ** وَانظُر إِلى خُضرَةٍ في وَجهٍ ذي كُحُلِ

وَاجلِس إِلى كَعبَةٍ تُهدى لِناظِرِها ** حالَ الجُلوسِ ثواباً زاكيَ العَمَلِ

وَجَريَةُ الماءِ وَانظُر في السَماءِ تَرى ** دَفعَ الهُمومِ مَعَ السَوداءِ وَامتَثلِ

وَكُحلِ العَينِ عِندَ النَومِ مِن حَجرٍ ** تَسبِق بِهِ نَظَرَ الزَرقأ وَلا تَحِل

هذه سبعة تقوي البصر نقل في الاحياء عن الشافعي رضي الله عنه أربعة تقوي البصر لبس نظيف الثياب والنظر إلى الخضرة والجلوس مستقبل القبلة والكحل عند النوم من حجر يعني بالاثمد وفي الحديث ‏(‏عليكم بالاثمد فإنه ينور البصر وينبت الشعر‏)‏ قال بعضهم اختص الاثمد بهذا لأنه من الجبل الذي تجلا عليه الحق سبحانه وتعالى لموسى فلما وقع عليه نور الحق صار دكا واحترق بنور الحق وصار أسود وصار لما وقع عليه من النور ينور البصر وفي رواية الامام أحمد بن حنبل مرفوعا ‏(‏عليكم بالاثمد المروح فإنه ينور البصر وينبت الشعر والمروح المطيب‏)‏ وروى الحافظ أبو نعيم في تاريخ اصبهان عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏ثلاثة يجلين البصر‏:‏ النظر إلى الخضرة والنظر إلى الوجه الحسن والنظر إلى الماء الجاري‏)‏ قال الغزالي عن القزويني في كتاب ‏[‏عجايب المخلوقات‏]‏ في النظر إلى السماء عشر فوايد وذكر من جملتها أن النظر إلى السماء يصرف الهم ويذهب السوداء‏.‏

قال الشافعي رضي الله عنه النظر إلى فرج المرأة يضعف البصر وكذا الجلوس مستدبر الكعبة وكذا النظر إلى القاذورات قال وثلاثة تزيد في العقل مجالسة العلماء والصالحين وترك الكلام فيما لا يعنيه قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه‏)‏أي يهمه فلا ينبغي الكلام إلا عند الحاجة إليه وكما أنه لا ينبغي السكوت عند الحاجة كذلك لا ينبغي الكلام عند الحاجة إلى السكوت وقد جمعت الثلاث في بيتين‏:‏

ثَلاثَةٌ زادَت العَقلَ التَمامَ فَدَع ** فَضلَ الكَلامِ لَكِن في الناسِ ذا فَضلٍ

وَاجلِس إلى صالِحٍ تَحوي بِهِ زِلَفاً **وَاجلِس إلى عالِمٍ يَدعوكَ لِلعَمَلِ

قد سبق شرحها والله سبحانه أعلم

وَاربَع قوَةَ الأبدانِ فَأتِ بِها ** طَيبٌ وَلَحمٌ وَماءُ عُد لِلغَسلِ بِلا جِماعٍ

مِنَ الكَتانِ رابعُها ثوبٌ عَلى بَدنِ ** جَسدٍ أي غيرَ مُنسَدِلِ

هذه الأربعة منقولة عن الشافعي رضي الله عنه الغسل من غير جماع واستعمال الطيب وأكل اللحم ولبس الكتان على الجسد قوله غير منسدل هو حشو أي غير طويل لأن السنة تقصير الثياب‏.‏

كَبيرٌ مُعزٍ حَوى السَوداءِ نورٌ حَوى ** جَلبَ الهٌمومِ مَعًَ النُسيانِ لِلِرجلِ

نقل الحافظ واسمه عمرو بن بحر في كتاب ‏[‏الحيوان‏]‏ أن لحم المعز يورث السوداء والنسيان ويجلب الهم للإنسان ويفسد الدم وهذا في كبير المعز وأما الصغير منه فنقل في ‏[‏الأحياء‏]‏ عن حكيم أنه رأى شخصا سمينا فقال أرى عليك قطيفة ‏[‏أي حلة‏]‏ من نسل أضراسك قال مما هي قال من أكل لباب الخبز والبر وصغار المعز والدهن يدهن البنفسج ولبس الكتان

البَيهَقي رَوى لَحمَ البَقيرِ أذى ** وَالشَحمُ مِنها شِفاءُ الداءِ وَالعُلَلِ

وَالسَمنُ فيه شِفاءٌ وَاعمُد إلى دَربٍ ** فاشرب لَهُ لَبناً وَالبَولُ مِن إِبِلِ

البقير بفتح البالغة في ‏[‏السنن الكبير‏]‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏في البقر لحمها داء وشحمها دواء وسمنها شفاء‏)‏ والدرب بفتح الدال والراء المهملتين ثم بالموحدة في آخرة

جاء في الحديث ‏(‏أبوال الابل والبانها شفاء من الدرب‏)‏ والدرب قال بعضهم هو نوع من الاسهال يسبب تخمة أو هيفة فإذا شرب الإنسان أبوال الإِبل وألبانها أخرج المادة التي في البطن فإذا أخرجها انقطع الاسهال وحصل الشفاء

وَواظب الرأسِ بِالتَسريحِ مَعَ ذَقنٍ ** تَكفي البِلا وَتَحوي فٌسحَةَ الأَجلِ

وَبيضُ قُمَلٍ وَطَبوعٍ عِلاجُهُما **دُخانٌ زَنجَفرَهُم بَحرٌ وَلا تَحٍلُ

روى أبو نعيم في ‏[‏تاريخ أصبهان‏]‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏من سرح لحيته ورأسه كل يوم وليلة عوفي من أنواع البلا وزيد في عمره‏)‏ وأما بيض القمل هو الصوأن الذي يلتصق وكذلك الطبوع الذي يحصل في الذهن وشعر الجسد ولا يكاد يزال إلا بعسر وبيض القمل هو الصبيان الذي في الشعر والطبوع قمل أحمر وأسود يلصق بالجلد والشعر وعلاجه صعب ومتى تبخر من عليه طبوع بزنجفر ذهب عنه وقد حرب هذا مرارا فصح ذلك وهو الصواب‏.‏

بَعضُ الشيوخِ ذكيٌ هَضمُ اللُحومِ أتى ** بِأكلٍ عَظمٌ فَخذٌ عَن نَقلٍ ذي فَضلِ

اِثنانِ قَد أكلا كَبشَينِ وَارتَهَنا ** وَزادَ أعَرفُهُم بِالعَظمِ مِن أَكلِ

فَآكِلُ اللَحمِ وافَتهُ مَنِيتُهُ ** وَآكِلُ العَظمِ أضحَى مخور الأَجَلِ

حكى شيخنا الشيخ ضياء الدين رحمه الله أنه برأ شخصين اترهنا على أكل كبشين وأن أحدهما التزم أن يأكل كبشه بعظمه وكان ذلك للعلم أن أكل العظم يهضم الطعام فأكله بعظمه فعاش وأما الآخر فأكل اللحم وحده فمات

وَالأَكلُ في مَسجِدٍ فانقُل إِباحَتَهُ ** إِن لَم تُلَوِث وَلَم تَأكُل مِنَ البَصَلِ

وَلا مِنَ الثَومِ وَالكُراثِ طَبخُهُما ** أزالَ كُرهاً وَقُم عَن حَشوَةِ الفِجلِ

 حكم الأكل في المسجد

الأكل في المسجد مباح بشرط أن لا يلوث المسجد وأن لا يأكل فيه ثوما ولا بصلا ولا كراثا ولا ماله رائحة كريهة فإن طبخت هذه الأمور زالت الكراهة

وَإِن يَكُن أَبخَرَ فَأمنَعهُ مَسجِدَنا ** كَما نَهى عُمَرُ المَجذومُ وَامتَثِلِ

إذا كان بالانسان بخر محكم فلا شك أن رائحة فمه تزيد عن رائحة فم أكل الثوم والبصل وهذ مع ظهوره كان الشيخ ولي الدين الملوي رحمه الله يفتى به ويمنعه من المسجد والمجذوم ومن به صنان متحكم كالأبخر‏.‏

روي عن عمر رضي الله عنه‏:‏ أنه رأى جارية مخذومة تطوف بالبيت فقال يا أمة الله لو جلست في بيتك لا تؤذي الناس فتركت الطواف ولزمت بيتها فلما مات عمر رضي الله عنه قيل لها إن الذي نهاك قد مات فاخرجي وطوفي فقالت ما كنت لاطيعه حيا واعصيه ميتا

كُل سُمُوماً بِروثِ البَطنِ صَفرت ** في بَحرِ مذهَبِنا ذا النَقلِ وَهوَ جَلي

بِعُسرٍ تَمييزُهُ كالدُودِ في قَصَبِ ** أو في الجُبنِ وَدودِ الخَل لا تَهِلِ

قال الروياني في ‏[‏البحر‏]‏ يجوم أكل السمك الصغير وفي بطنه الروث لأن الأولين لم يكونوا يتتبعوه ويخرجوا ما في بطنه ولا يكلفون الناس تتبعه وهذا واضح وقد صحح ‏[‏الرافعي‏]‏ جواز ابتلاع السمكة حية مع أن في بطنها الروث وهذا كما يجوز أكل دود الجبن والقص والفاكهة معها والجبن بضم الجيم والباء وتشديد النون لغة في الجبن‏.‏

وَقتُ الضَرُورَةِ كُل مِن مَيتَةٍ حُرِمَت ** حِفظَ الحَياةٍ ولا تَشبِع مِنَ الدَغلِ

الميتة إن كان حلالا حالة الاختيار فواضح والميتات التي تحل من غير ذكاة خمسة السمك والجراد والجنين والصيد إذا مات بثقل الجارحة فأكل هذه الأربعة حلال وما عداها حرام إلا دود الجبن والفاكهة فإنه يؤكل معها ولا يؤكل منفردا على الأصح وأكل الميتة حال الضرورة مباح إذا خاف على نفسه موتا أو مرضا إن لم يأكل فيجب الأكل على الصحيح حفظا للحياة ولا يجوز أن يأكل منها زيادة على ما يحفظ الحياة ويقيم صلبه للمشي ولا يحل الشبع إلا إذا لم يتوقع حلالا قريبا أو خاف الضر على نفسه بسبب انقطاعه عن الرفقة إن لم يشبع ويجوز أن يتزود من الميتة إن لم يكن أمامه طعام حلال على الأصح في الروضة‏.‏

لأَكلِ الحَبَةِ السودا حُصولَ شَفاً ** مِن كُلِ داءٍ هي الشونيزُ خُذ

وَكُل تَنفي البَرايدَ وَالأخلاطَ عَنكِ ** إذا أكَلتَها بِالجنى مِن نَحلَةِ العَسل

لِلمُصطفى في السَماءِ قالَت مَلائِكَةٌ ** مُر بِالحِجامَةِ شاكيَ الداءِ وَالعِلَلِ

ما مَرَ في مَلأ إِلا وَقالَ لَهُ ** مُر أَمَةُ لَكَ فَلتَحجُم وَتَمتَثِلِ

في سابِعِ العَشرِ أو مُرهُم بِتاسِعَةٍ ** أو بعَدَ عِشرينَ في الحادي بِلا حَولِ

في الصحيح‏:‏ ‏(‏الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام‏)‏ والسام الموت وإذا أكلت بالعسل قطعت البرايد والاخلاط والشونيز بضم الشين المعجمة والنون ثم بالياء المثناة تحت ثم بالزاي في آخره هو الكمون الاسود على الصحيح المشهور ويوضحه قوله صلى الله عليه وسلم في الحبة السوداء‏:‏ ‏(‏وهي التي تنبت في الملح‏)‏ يعني في الأرض المالحة لأنها أكثر ما تنبت في الأرض السبخة المالحة وحديث الحجامة في ‏{‏مختصر حلية الأولياء‏}‏بهذا المعنى ورواه البيهقي في ‏[‏السنن الكبرى‏]‏ الأمر بها في السابع عشر والتاسع عشر والحادي والعشرين‏.‏

وَأَغمِس ذُباباً هَوى فَالغَمسُ فيهِ ** شِفا نَصُ الحَديثِ أتَى بِالغَمسِ فامتَثِلِ

وَلِلزَنابيرِ هذا الحُكم إن وَقَعَت ** كَذا البَعوضُ وَخُلُص نَحلَةَ العَسَلِ

خُصُ العُمومِ بِأَمرِ الغَمسِ إِن حُيِيت ** بِالنَهي عَن قَتلِها تَرمي مَعَ النَبلِ

 حكم وقوع الذباب في الطعام

إذ وقع الذباب في الطعام والشراب استحب غمسه لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا وقع الذباب في شراب بأحدكم أو قال في طعامه فليغمسهس كله ثم ليطرحه فإن في أحد جناحيه داء والآخر شفاء وأنه يتقي بالداء‏)‏‏.‏

قال الحافظ اسم الذباب يقع عند العرب على كل الزنابير والنحل والبعوض وغيرها وحينئذ يستدل بالحديث على استحباب غمس الجميع إذا وقعت في طعام أو شراب أو عسل ونحوه فإن قيل تلك حقيقة لغوية وقوله صلى الله عليه وسلم وإن كان عام بالألف واللام فإنه يحتمل أن يراد به ما كان مألوفا عندهم مما يخالطهم وحينئذ فإسم الذباب قد خص بالبعض وصار فيه حقيقة عرفية كما اختص اسم الدابة بالفرس والبغل والحمار والحقيقة العرفية مقدمة على اللغوية واللغوية والدليل على أنها حقيقة شرعية ما رواه الحافظ ‏[‏أو نعيم‏]‏ في ‏[‏تاريخ أصبهان‏]‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏الذباب كلها في النار إلا النحلة فإنها في الجنة‏)‏‏.‏

وقال علي رضي الله تعالى عنه في العسل ‏[‏أنه حذقة ذبابة‏]‏ إذا علم ذلك فظاهرة استحباب غمسها مطلقا وإن كانت حية وافضى ذلك إلى موتها بالغمس إلا أنه ينبغي تخليصها من غير غمس لنهيه صلى الله عليه وسلم عن قتل النحلة ويكون هذا مخصصا للأول ويجب على هذا تخليص النحل ولو وقع الذباب وانغمس بنفسه فظاهر تعليل الحديث يرشد إلى عدم استحباب غمسه ثانيا ويحتمل أن يكون إلحاقه كالميت الغريق لأن ما تعبدنا فيه بفعل لا يسقط التعبد إلا بذلك الفعل ولو كان غمس جناحي الدابة دون جميعها فليحتمل الاكتفاء بهما لحصول الشفاء سفي الجناح الآخر ويحتمل المنع‏.‏

بَعضُ التَصانيفِ فيهِ عِدةٌ ذُكِرَت ** بِفِعلِها يَحصُلُ النِسيانُ لِلرِجلِ

بِأكلِ حِمضٍ وَطولٍ مَعَ سَهرِ ** عَلى اِنتِصابٍ بِطولِ الكُلِ في النَفلِ

وَطَرحُ قُحلٍ مَشى بَينَ ما قَطَرَت ** وَالمَشيُ في طَرفِها فاقصِد إِلى حَولِ

وَكَثرَةُ الوَطىءِ مَعَ أَكلِ السَمينِ وَمَعَ ** أَكلِ المَزالِحِ وَالعِصيانِ في العَمَلِ

كَذا التَقهَقةُ وَالإِنصاتُ مِن لَقَطِ ** وَلوحُ قَبرٍ ذُلا تَقراهُ وامتَثِلِهذه خمسة عشر ذكرها بعض الحنفية في تصنيف له يذكر فيه أدابا بالعالم والمتعلم وذكرها غيره متفرقة قوله في البيت ومشي بين ما قطرت يعني بين الجملين المقطورين والجمال المقطورة والمشي في طرفها أجر الله تعالى العادة بأن هذه الأمور تورث النسيان وذكر في الكتاب المذكور أشياء تورث الفقر وقد جمعتها بقولي

وَيورِثُ الفَقرَ أيضاً عِدَةٌ ذُكِرَت ** مِني فَخذٌ عَدَهاوَاحفَظ عَلى مَهلِ

النَومُ عِريانَ أو أكلٌ عَلى حَدَثِ ** وَتَركُ كِنسي وَحرقُ القِشَرِ

مِن بَصَلِ وَالكَنسُ في اللَيلِ لا تَقعُد ** عَلى عَتَبِ اُخرُج قُمامَتِكُم

واطرَحن عَلى الزَبَلِ وَالمَشيُ قَد **أَمّ شيخٌ أو نِداءُ أَبُ بِالإِسمِ وَادعُ لَهُ

يَحصُل عَلى عَمَلِ وَالغُسلُ بِالطينِ ** والتوزابَ قَد ذَكرَوا وَالابتِكارُ إلى الأَسواقِ مِن عَجَلِ وَالإِمتِشاطِ بِمَكسورٍ سَنابِلُها خِياطَةُ الثَوبِ مَلبوساً رَواهُ جَلي كَذا التَسرولُ في حالِ القِيامِ كَذا لُفِ العِمامَةَ أن تَعقُد مِنَ المَلَلِ كَذا التَوسُعُ وَالتعتيرُ مِن أَكَلِ تَركُ اللُبابِ بِلا لَقَطٍ مِنَ الكَسَلِ وَمَس وَجهًكَ بِالاثوابِ دِعهُ وَمِن رَوى بِها مِسحَةٌ ضِعفُهُ بِالعِلَلِ هذه أيضا ذكرها في آداب العالم والمتعلم شخص من الحنفية قوله والنوم عريان يعني تحت السماء أما التجرد من الثياب والتستر بالكساء والرداء ونحوه فهو سنة كما سيأتي قوله والأكل على الحدث الذي ذكره الأكبر وعن قوله أخرج قمامتكم الوسخ الحاصل من حنس البيت لأن تركها يورث النقر قوله وادع لها أي ادع لأبويك فترك الدعاء لها يورث الفقر والتواب لغة في التراب‏.‏

وروى عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ كان له منديل ينشف بها لكنه طعن في هذه الرواية

وَإِن أكلتَ فَنِم بَعدَ الغِداءِ ** وَقُم بَعدَ العِشاءِ تَمشي

ثُمَّ نَم وَكُل وَقتُ الغِداءِ ** لِوَقتِ الفَجرِ أَولُهُ إِلى زَوالٍ

بِهِ وَقتَ العِشاءِ يَلي مازَادَ ** عَن نِصفٍ ما يَكفي الفَتى شَبعاً

بِهِ الغِداءَ وَالعِشاءَ فَذَرهُ ** وَامتَثِل لِنِصفِ لَيلٍ بِهِ وَقتَ السُحورِ فَكُل وَنَعَم ** تَمُر رَوُوا عَن سَيدِ الرُسُلِ

يستحب من جهة الطب النوم بعد الغداء والمشي بعد العشاء ولو مائة خطوة قالت العرب تعشى وتمشي وتغد واصله وتمدد ولكنه اقتصر على أحد الداليه كما اقتصر على أحد الطائية في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَقَد ذَهَبَ إٍِلى أَهلِهِ يَتَمَطى‏}‏وَإِنما أصله يَتَمَطَط قال بعضهم إذا أراد النوم بعد الغداء اضطجع على جنبه الأيمن قليلا ثم اضطجع على الأيسر فنام قال الرافعي يدخل وقت الغداء بطلوع الفجر ويمتد إلى الظهر ويليه وقت العشاء ويمتد إلى نصف الليل ويليه وقت السحور إلى الفجر الثاني فلو حلف لا يتغدى حنث بالأكل قبل الزوال ولم يحنث بما بعده ولو حلف لا يتعشى حنث بالأكل بعد الزوال ولو حلف لا يتسحر حنث بالأكل بعد نصف الليل ويستحب السحور على تمر لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏نعم السحور التمر‏)‏ ولأن الصائم إذا أفطر على تمر وسحر به كان في ذلك مستعملا للحلاوة في أول أكله وآخره وفيه تفاؤل بحسن أعماله وقبول صيامه ثم الحنث بالغداء والعشاء بأكل زيادة عن نصف ما يكفيه عادة ذكره الرافعي في الإيمان‏.‏

وَقَبلَ نَومٍ تَخلا إنَّ فيه شِفاءُ ** حَبسُ الخَبيثينِ بِالادواءِ في شُغُلِ

يستحب من جهة الطب أن يعرض نفسه على الخلاء قبل النوم فإن في حبسها داء ويقال إن البول إذا حبس أفسد ما حوله قال افلاطون من عرض نفسه على الخلاء قبل النوم دامت له حسن صورته والداء بالدال المهملة يجمع على ادواء والدواء الذي يستعمل للأمراض يجمع على ادوية التي يكتب منها تجمع على دوا وهذه أبيات في آداب النوم‏.‏

وَاضمُم مَواشيكَ وَاغلُق بابَ دارَكُموا ** وَضُم صِبيانَكُم في الحرز

وَاتَكِل وَاغسِل يَديكَ تُطِع آَمالُهُ غَمراً ** وَغَسلُ فَمٍ أتَى وَالأَمرُ فيهِ جَلِى

وَإِن تَنُم جَنَباً أو حائِضٌ طُهُرَت ** سِنُ الوَضُوءِ تَوضَأ وَاسغِ في البَدلِ

يستحب قبل النوم ايكاء السقاء يعني القربة وإيكاؤها ربط فمها ويستحب تخمير الأواني التي فيها طعام وما في معناها والبئر يستحب تغطيتها ويستحب اطفاء النار كالمصباح وغيره ويستحب ضم المواشي وهم الدواب جمع ماشية ويستحب غلق الباب وضم الصبيان لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا كان جنح الليل فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر واغلقوا الباب واذكروا اسم الله فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا واوكوا قربكم واذكروا اسم الله وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله ولو أن تعرضوا عليها واطفئوا مصابيحكم‏)‏ وجنح الليل بكسر الجيم وضمها ظلامه وقوله صلى الله عليه وسلم أي تجعلوه عرضا ويستحب غسل الكفين والفم من أثر الطعام لقوله صلى الله عليهوسلم‏:‏ ‏(‏من نام وفي يديه غمر فأصابه شىء فلا يلومن إلا نفسه‏)‏‏.‏

وَعِندَ نَومٍ تَجَرُداً أوصي عَن عَرَضِ ** أَو الدُيونَ وَتُب لِلَهِ مِن زُلَلِ

وَنُم إِلى قِبلَةٍ بِالطُهرِ عَن حَدَثِ ** وَاختُم كَلاماً مَضى بِالذكرِ وَالعَمَلِ

عَلى اليَمينِ فَنُم بِسمِ الإِلَهِ وَقُل ** أَيضاً عَلَى مِلَةِ المُختارِ بِالذِكرِ وَالعَمَلِ

هذه آداب تتعلق بحالة النوم فيستحب عند النوم أشياء منها التعري عند النوم نقل الشيخ أبو عبدالله بن الحاج إن التجرد من الثياب سنة لأن النوم في الثياب يقطعها ويدنسها وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اضاعة المال ومنها يستحب إذا كان له مال أن يوصي فيه لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ما حق امرء مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلة إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه‏)‏ ومنها يستحب أداء الديون لأنه ربما مات فتبقى ذمته مرهونة أي معوقة عن دخول الجنة حتى يوفي عنه ومنها يستحب أن ينام إلى القبلة على طهارة فإن كان جنبا استحب له أن يغتسل وإن لم يغتسل توضأ فإن فقد الماء تيمم ومنها يستحب تجديد التوبة من سائر الذنوب قبل النوم وللتوبة ثلاثة شرائط إن كانت عن ذنب بينه وبين الله الاقلاع والندم والعزم أن لا يعود فإن تعلقت بآدمي جب رابع وهو رد الظلامة حتى لا تصح التوبة من الغصب حتى يرد المغصوب ولا من الغيبة حتى يعلم المستغاب بما قال عنه ليقتص او يعفو والدليل على اعتبار الأربعة قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذينَ إِذا فَعَلوا فاحِشَةً أَو ظَلَموا أَنفُسَهُم ذَكَروا اللَهَ فاستَغفَروا لِذنوبِهِم ومَن يَغفِرُ الذُنوبَ إلا اللَهَ وَلَم يُصروا عَلى ما فَعلوا‏}‏ ‏[‏الآية‏]‏ ففي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ذكروا الله‏}‏ دليل على اعتبار الندم لأن من ذكر الله تعالى ندم على فعله وفي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَم يُصِروا عَلى ما فَعَلوا‏}‏ دليل على بقية الشروط فَيُؤخَذ منه عدم الإصرار على العود وعدم الإصرار على أخذ مال الغير وذلك بأن لا يصر على عدم الرد ثم الشرط إن يعزم على أن لا يعود مع القدرة فإن عزم على أن لا يعود لعجزه كمن وجب ذكره بعدما زنى أو عجز عن السرقة لقطع يده فعزم على عدم العود لعدم قدرته لم تصح توبته ولو غصب مال شخص وابلغه توقفت التوبة على آدائه حتى يجب عليه الإست كساب ويؤدي نقلوا ذلك عن ‏{‏أبي الفضل العراوي‏}‏من أصحابنا وهو ظاهر لكن ذكر في الروضة أنه من جنى على إنسان فوجب عليه القصاص لم تتوقف صحة توبته على تسليم نفسه ليقتص منه سواء رجى العفو أم لا بل تصح توبته من القتل في حال تغييبه وعلله بأن قال لأن القتل معصية محدودة وهذا بعينبه جار في مسالة الغصب لأن الغصب وإتلاف المال معصيتان محدودتان فصحت التوبة منهما كالقصاص ولأن القصاص مسبب عن الجناية وكذلك لزوم المال والسبب لا يتوقف على المسبب بخلاف العكس فظهر ضعف ما قاله العراوي نقلا ومعنى قال السبكي في ‏{‏التذكرة‏}‏التوبة تنقسم إلى ما يتعلق بحق الله تعالى على الخصوص وإلى ما يتعلق بحق الله وحق الآدميين أما ما يتعلق بحق الآدمي فينقسم إلى ما تصح التوبة عنه دون الخروج عن حق الآدمي وإلى ما لا تصح دونه أما ما تصح دونه فهو كل ما يتصور فيه حقيقة الندم مع دوام وجوب حق الآدمي كالقتل الموجب للقصاص فيصح الندم عليه من غير تسليم القاتل نفسه ليستقاد منه فإذا ندم صحت توبته في حق الله تعالى ومنعه القصاص وأما ما يصح دونه فكالإغتصاب لا يصح عليه مع بقاء اليد عليه وكذلك ظلامات العباد ولا تصح التوبة منها إلا بعد ردها أو ضمان قيمة ما أتلفه منها إن أمكنه ذلك فإن تعذر عليه لومه العزم على أدائه إن أمكنه ذلك وصحت توبته وذهب بعض العلماء إلى أن توبته تصح فيما بينه وبين الله تعالى وذلك بان يرد المغصوب إلى صاحبه كما لا يتضمن ترك الرد لمال زيد فإذا التوبة تر ما لعمرو وأما ما يتعلق بحق الله فترك الطاعات وشرب المسكرات وأما ما يتعلق بهما جميعا فكقذف المحصنات فهل تصح التوبة منه أما من لم يسلم نفسه للحد فيه خلاف فمن رأى أنه حق لله صحح التوبة ومن رأى أنه حق لآدمي فمن قاسه على القتل صح التوبة ومن قاسه على الغصب لم تصح التوبة منه‏.‏

كلامه رحمه الله تعالى وذكر أيضا في حد التوبة إنها ندم لأجل ما وجب له الندم قال وإنما قلنا ذلك لأن من ندم على مقارفة سيئة لاضرارها به في المال وسقوط المنزلة عند الناس فهو نادم غير تائب فلا بد من الندم على ما فاته من حقوق الله تعالى فبه تصح التوبة الشرعية

وقال والتوبة في اللغة الرجوع من حال إلى حال يقال تاب وناب وأناب إذا رجع والتوبة من الله تعالى على العبد بأن يخلق التوبة في قلبه متفضلا عليه وأما بأن لا يخلق له القدرة على المعاصي بل يخلق له الكراهية لها والدواعي إلى الطاعة كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَكِن اللَهَ حَبَبَ إِليكُمُ الإيمانَ وَزَينُهُ في قُلوبِكُم‏}‏ ‏[‏الآية‏]‏ وإذا رجع العبد عن فعل المعصية بما خلق الله فيه من كراهتها واكتسب بالطاعة بخلق الله إياها وتزيينها في قلبه وأقداره عليها فقد تاب فهذه توبة العبد وقد قيل مثل ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثم تاب عليهم ليتوبوا‏}‏ أي كره إليهم الكفر والفسوق والعصيان لأجل أن يتوبوبا أن الله هو التواب الرحيم قال السبكي وللتوبة وقتان أحدهما ما لم يفر غرقا قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَيستِ التَوبَةُ لِلَذينَ يَعمَلونَ السَيئاتِ‏}‏ ‏[‏الآية‏]‏ الثاني ما لم تطلع الشمس من مغربها قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏هَل يَنظُرونَ إِلا أن تَأتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أَو يَأتِيَ رَبُك‏}‏ ‏[‏الآية‏]‏

يحتمل أن يكون المراد بالخير في الآية المداومة على الإيمان بعدم التبديل على أن تكون أو بمعنى الواو ويستحب أن ينام إلى القبلة متطهرا عن الحدث وأن يكون آخر كلامه ذكر الله تعالى وأن ينام على الجانب الأيمن وأن يقول بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يقال حين يوضع الميت في قبره رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وَالنَومُ مُستَلقِياً جاءَت اِباحَتُهُ ** وَلِلنِساءِ كُرهُهُ في مِثلِ ذي فَضلِ

نَومُ الوُجوهِ بِهِ بُغضُ الإِلَهِ فَدًَع ** نَومُ الشَياطينِ لا تَحرِص عَلى كَسَلِ

وَالنَومُ في الشَمسِ صَيفاً داؤهُ ذَكروا ** وَالنَومُ في قَمرٍ قُمَّ عَنهُ وَاعتَزِل

نَومُ اليَسارِ بِهِ هَضمُ الطَعامِ أتى ** عَنِ الأَطباءِ فَطُب وَالنَدبُ فَانتَحِلِ

وَمَن يَنُم بَعضُهُ في الشَمسِ نامَ عَلى ** نَهى الرَسولُ فَنُم في الظِلِ في ظِلَلِ

 آداب النوم

النوم على أربع حالات الحالة الأولى النوم على اليمين وهو سنة وقد سبق الثانية النوم مستلقيا بأن يجعل ظهره للأرض ووجه إلى السماء وهو مباح للرجال لما روي أن عمر رضي الله عنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيا في المسجد واضعا احدى رجليه على الاخرى قال الحليمي في المنهاج وهو مكروه في حق النساء لأن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه رأى ابنته كذلك فنهاها الثالث النوم على الوجوه وهو نوم الشياطين وإخوانهم من الأنس وهو مكروه لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا نام على بطنه فحركه وقال‏:‏ ‏{‏هذه ضجعة يبغضها الله‏}‏ولأن الكفار يسحبون على وجوههم وكذلك يعذبون الرابعة النوم على اليسار وهو مستحب عند الأطباء لأنه يسرع هضم الطعام وقد سبق أنه من جهة الطب وينبغي عندهم أن يضطجع على الجانب الأيمن قليلا بعد الأكل ثم ينقلب على الجانب الأيسر قوله والندب فانتحل أي اختر من هذه الأنواع الأربعة ما هو مندوب وهو النوم على الشق الأيمن ولا ينظر إلى نوم الأطباء ولا إلى نوم غيرهم قال ابن الجوزي في طبه النوم في الشمس زمن الصيف يحرك الداء الدفين والنوم في القمر يحيل الألوان ويقلب اللون إلى الصفرة ويثقل الرأس قال ويكره أن ينام بعضه في الشمس وبعضه في الظل لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك‏.‏قال الحليمي يكره نوم الغادة وهو أول النهار لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الصبحية تذهب الرزق‏)‏ قال ويكره بعد العصر لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من نام بعد العصر وأصابه لمم فلا يلومن إلا نفسه‏)‏ واللمم الجنون وسمي لمماً لأنه يلم بالشخص ويعتريه والخبل الجنونوَلا تَنُم في سُطوحٍ لا حَضيرَ لَهُ وَلا تَنُم خالِياً في البَيتِ وَاكتَفِلِ قال الحليمي يكره أن ينام على سطح غير محوط لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من نام على ظهر بيت ليس عليه ما يستره فمات فلا ذمة له‏)‏ ويكره أن ينام الرجل وحده في بيت قال الحليمي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينام الرجل وحده أو يسافر وحده وقال‏:‏ ‏(‏لو يعلم الناس ما في الوحدة لم يمش راكب بليل وحده أبداً‏)‏ قوله واكتفل أي كن في كفالة غيرك عند النوم أي في حراسته‏.‏

وَقيلَ ظَهيرٌ فَنَم مَعنى الحَديثِ كَذا ** قيلوا فَإِنَّ أخا الشيطانِ لَم يَقُلِ

ولا تَنَم في لِحافٍ قَد حَوى رَجُلاً وَلا ** صَبياً وَبِن عَن ذاكَ وَاعتَزِلِ

عَندَ التَجَرُدِ حُضِ النَهيَ بَعضُهُموا ** وَبَعضُهُم قالَ بِالتَعميمِ فانتَقِلِ

قال الزمخشري قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏قيلوا فإن الشياطين لا تقيل‏)‏ إن القيلولة هي النومة قبل الظهر ويحرم نوم اثنين تحت لحاف واحد لنهيه صلى الله عليه وسلم عن المجامعة وهي نوم رجلين تحت ثوب واحد ثم قال النووي في شرح مسلم هذا إذا كانا متجردين عن الثياب وأطلق الرافعي التحريم وكذا النووي في الروضة وينبغي التحريم في نوم الأمرد مع الرجل مطلقا لغلبة وقوع المفسدة‏.‏وَفي المَضاجِعِ فَرقُ صَبِيَةٍ بَلَغوا ** حَدُ الجِماعِ وزوجاً ذايقِ العَسَلِ

في الحديث ‏(‏مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم على تركها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع‏)‏ فعلى كل من الأبوين أن يفرق بين أولاده في المضاجع عند النوم فيجعل لكل صبي وصبية فراشا وحده إذا بلغا حد الشهوات في الجماع‏.‏

قوله زوج ذايق العسل هو كناية عن لذة الجماع كما جاء في الحديث ‏(‏متى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك‏)‏ كنى بالعسيلة عن النطفة ثم عن لذة الجماع فهي المجاز فينبغي للأب أن يزوج ولده إذا بلغ حد الشهوة لئلا يعتاد الفاحشة

وَلا تَنَم قَبلَ فَرضٍ خِفتَ ضيعت ** فَإِن ذاك حَرامٌ واضِحُ الخَلَلِ

وَالنَومُ قَبلَ العَشاءِ جاءَت كَراهَتُهُ ** فَدَع مَنامُك وَارعَ الفَرضَ وَامتثِل

وَالنَومُ في مَسجِدٍ جاءَت اِباحَتُهُ ** وَالكُرهَ عَن مالِكٍ خُذهُ بِلا جَدَلِ

 حكم النوم قبل أداء الفريضة

يحرم النوم قبل أداء الفريضة إذا خشي فوتها حتى لو علم أنه إذا نام قبل الوقت لا يستيقظ حتى يخرج الوقت حرم النوم لأنه يفوت الواجب وهذا كما قالوا يجب السعي إلى الجمعة قبل الوقت على من داره بعيدة ويجب تعلم الفاتحة قبل الوقت لمن لا يمكنه التعلم بعد الوقت ويكره بعد دخول وقت العشاء النوم قبلها وكره مالك النوم في المساجد وعندنا مباح لأن عليا رضي الله عنه نام في المسجد فجاءه النبى صلى الله عليه وسلم وكان غضبانا على أهله فقال له‏:‏ ‏(‏قم أبا تراب‏)‏ ولم ينهه عن ذلك‏.‏

وَلَم تَنَم بَينَ أقوامٍ عَلى سَهرٍ ** وَكُن أدوباً تُرى في الناسِ يَحِلُ

وَإِن نَعستَ فَقُم خَلي المَكانِ وَدُم ** دَفَعَ النُعاسُ بِما يَأتي مِنَ الحِيَلِ

لا ينبغي النوم بحضرة أقوام مستيقظين لأنه قد يخرج منه ريح فيشوش على الحاضرين ولأن فيه قلة مرؤة فإن غلب النعاس على شخص فينبغي له التحول إلى مكان آخر وقد جاء الأمر بالتحول في حديث‏.‏

في يَقَظَةٍ جَرَدَت فَضلٌ لِصاحِبِها ** أو نَومَةٌ جاءَ خَلفَ قَد حَلوه

جلى ذكر أبو طالب المكي في ‏{‏قوت القلوب‏}‏كلاما في اليقظة إذا كانت مجردة عن ذكر الله تعالى وسائر العبادات هل هي أفضل من النوم أم النوم أفضل منها فقيل هي أفضل لأن النوم نقص وقيل النوم أولى لأنه قد يرى فيه البارىء جل وعلا والأنبياء والصالحين وليس الكلام في نوم حَقيقَةَ النَومِ قَد مازوا بِأربَعَةٍ ** في روضَةٍ عَدَها خُذها بِلا جَدَلِ

فَقَد الشُعورَ وَرُؤيا النَومِ ثالِثُها ** فَقَدُ السَماعِ وَالإِستِرخاء فاحتَفِلِ

اختلفوا في النوم فقيل ريح تأتي الإنسان إذا شمها ذهبت حواسه كما تذهب الخمر بعقل شاربها وقيل النوم إنعكاسُ الحواس الظاهرة إلى الباطنة حتى يصح أن يرى الرؤيا وللنوم أربع علامات عدها في الروضة الأولى فقد الشعور حتى لو مسه إنسان أو وقع على جسده ماء لم يحس به ولم يشعر الثانية أن يرى في منامه رؤيا الثالثة استرخاء الأعضاء فلو كان قابضا بكفه على دراهم ثم نعس فاستيقظ فوجها قد سقطت من يده من غير شعور بها دل على نومه الرابعة أن يخفى عليه كلام الحاضرين فلا يدري ما قالوا‏.‏

وَكَثرَةُ النَومِ نَقصٌ في الحَياةِ فَنُم ** ثُلُثَ الحَياةِ وَقُم بِالثُلُثِ وَاشتَغِلِ

وَإِن نَعَستَ فَدَع ثِقَلَ الصَلاةِ وَنَم ** وَاعمَل بِطَوقَكِ في الأَحوالِ اِبتَهِل

قال الغزالي ينبغي لكل أحد أن لا ينام في اليوم والليلة أكثر من ثمان ساعات لأنه إذا عاش ستين سنة يكون قد نام فيها عشرين سنة وينبغي أن يصرف ثلث ليله في الطاعات والثلث الأوسط في الصلاة وهذا التقدير كله مأخوذ من إخباره صلى الله عليه وسلم عن داود عليه السلام أنه كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وذلك ثلث العمر قوله وإن نعست فدع إذا عرض للإنسان نعاس وهو يصلي أو يتلو كتاب الله فينبغي له قطع ما هو فيه والاشتغال بالنوم وقد جاء ذلك معللا بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏فإن أحدكم لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه‏)‏‏.‏

وَانفَض فِراشَكَ بَعدَ العودِ فَفِعلُهُ ** قَد حَوى نَوعاً مِنَ الأصلِ

 ما يستحب فعله للمستيقظ

يستحب للإنسان إذا فارق فراشه وعاد إليه أن ينفضه قبل أن ينام فيه لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا أوى أحدكم الى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره لا يدري ما خلفه بعده‏)‏‏.‏

إذا مَضى ثُلُثٌ خَلي الفِراشَ وَقُم ** إِلى النَوافِلِ وَالتَسبيحِ وَالعَمَلِ

يستحب لِلإِنسانِ إذا كان له ورد من الليل لأن العبادة فيه اشق على النفس ولأن غالب الناس ينام في ذلك الوقت وذاكر الله بين الغافلين كشجرة خضراء بين أشجار يابسة وهذه آداب تتعلق بالدعاء‏.‏

وَاجلِس إِلى قِبلَةٍ بِالحَمدِ مُبتَدِئاً ** وَبِالصَلاةِ عَلى المُختارِ وَالرُسُلِ

وَامدُد يَديكَ وَسَل فَاللَهُ ذو كَرمٍ ** وَاطلُب كَثيراً وَقُل يا مُنَجِحَ الأَسَلِ

بِبَسطِ كَفٍ خُذ الأَقوالَ ثالِثُها ** عِندَ البَلاءِ بِظَهرِ الكَفِ فابتَهِلِ

بِرَفعِ كَفٍ أم الأَطرافُ قَد ذَكَروا ** قَولينِ أًقواهُما رَفعٌ فَلا تَحِلِ

 آداب الدعاء

هذه آداب الدعاء منها أن يكون متطهرا جالسا إلى القبلة وأن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء والمرسلين ويختم دعاؤه بالصلاة عليهم فإن الله يقبل الصلاتين ومن كرمه أن يقبل ما بينهما من الدعاء ويستحب أن يمد يديه لأن الله تعالى ذم أقواماً يقبضون أيديهم فقال‏:‏ ‏{‏وَيَقبِضونَ أَيديَهُم نَسوا اللَهَ فَنَسِيَهُم‏}‏ قيل لا يمدونها في الدعاء وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اِدعوا الله بِبُطونِ أَكُفُكُم فإذا فَرغتم فامسَحوا بِها وُجوهَكُم‏)‏ وإذا دعى الله استحب له أن يعظم الرغبة لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا دعا أحدكم فليعظم الطلبة فإنه لا يعظم على الله شيء‏)‏ واختلفوا في كيفية مد اليدين عند السؤال فقيل يدع الله ببطون كفيه وقيل بظهورهما وقيل إن كان في سؤاله دفع البلاء دعا بظهرهما وإن كان في طلب حاجة سأل ببطنهما واختلفة في استحباب رفع بصره إلى السماء هل هو أفضل من جعل وجهه إلى الارض كما يفعل المصلي أم لا قولين الراجح الأول لأن السماء قبلة الداعين ولأن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا دعا يوم بدر قوله وانتحل أي اختر هذا المذهب قال الغزالي يستحب أن يقول قبل الدعاء سبحان ربي العلي الأعلى الوهاب ثلاثا ثم يدعو وروى سلمة بن الأكوع ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح دعاءه بقوله سبحان ربي العلي الاعلى الوهاب ثلاثا‏)‏‏.‏

وَابدأ بِنَفسِكَ ثُمَّ الآلَ فادعُ لَهُم ** وَخُص صَحبَ رَسولِ اللهِ وَامتَثِلِ

وَاخصُص أباكَ وَبَر الأم وادعُ ** كَما قَد رَبياكَ صَغيراً بارِحَ العُلَلِ

 ما يستحب فعله للداعي

يستحب للداعي إذا دعا أن يبدأ بنفسه لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاستَغفِر لِذَنبِكَ وَلِلمُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ‏}‏ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أفضل الدعاء دعاء المرء لنفسه‏)‏ ولقول الأعرابي في الصحيح اللهم اغفر لي ومحمد ولا تشرك معنا أحدا فبدأ بنفسه ويستحب الدعاء والترضي عن الصحابة رضي الله عنهم بالرحمة والرضوان لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذينَ جاءوا مِن بَعدِهِم يَقولونَ رَبَنا اِغفِر لَنا وَلإِخوانَنا الَّذينَ سَبَقونا بِالإِيمان‏}‏ ويستحب الدعاء للأبوين ذكروا أنه يورث الفقر ويستحب برهما برهما بالصدقة عنهما فإن الله تعالى يجعل أجرها لأبويه ويكتب له مثل ذلك قال الشافعي رضي الله عنه يستحب لمن تصدق بصدقة أن يجعلها عن أبويه فإن الله تعالى يكتب أجرها لأبويه ويكتب له مثل ذلك

وَعَم كُلُ أخٍ وَالمُسلِمينَ تَجِب ** فاللَهُ ذو سَعَةٍ يُعطي بِلا مَلَلٍ

يستحب للإنسان بعدما يدعو لنفسه أن يدعو لجميع المسلمين لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم والله في عون العبد مادام في عون أخيه ولما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يدعو لنفسه فقال له اعمم فإن العموم والخصوص كما بين السماء والأرض والبر بفتح الباء الموحدة من أسماء الله تعالى ومعناه الكثير العطاء مأخوذ من البر وهو العطاء الواسع وهو الذي يعطي بلا ملل أي لا يسأم من العطاء لأنه إنما يمتنع من العطاء من يخشى الفقر وذلك محال على البارئ جل وعلاه في الحديث ‏{‏لا يمل الله حتى تملوا

وَلا تَكُن ذا اِعتِداءٍ في الدُعاءِ تَنَل ** بُغضَ الآلهِ وَراعي العَدلِ

إذ تَسِلِ المُعتدي في الدُعاءِ شَخصٌ ** يَصِح بِهِ وَطالَبَ مِنزِلاً

كالمُرسَلينَ عَلى أَو طالِبٍ فَوقَ حَقٍ في ** ظَلامَتِهِ الجَورُ ظُلمٌ فَلا تَطلُب سِوى المَثَلِ

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏اُدعوا رَبَكُم تَضَرُعاً وَخُفيَةً إِنّهُ لا يُحِبُ المُعتَدين‏}‏‏.‏

فسر بعضهم الإعتداء برفع الصوت ويدل عليه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تَجهَر بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِت بِها وَابتغِ بَينَ ذلِكَ سَبيلا‏}‏ قيل نزلت في الدعاء وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِذ نادَى رَبُهُ نِداءً خَفِيا‏}‏‏.‏وفسر الاعتداء أيضاً بأَن يطلب في دعائه ما لا يتأتى الوصول إليه كمن يطلب منازلا كمنازل الأنبياء وفسر أيضا بالمظلوم إذا دعا على من ظلمه لا يجوز أن يطلب زيادة على قدر الظلامة فليس لمن شتم أو ضرب أو غصب منه مال أن يدعو على ظالمه بأخذ روحه أو بهلاك جميع أمواله بل طريقة أن يقول اللهم كافه أو قابلهم اللهم عليك به وهذا التفسير الأخير ذكره القرافي وهو موافق لظاهر قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم‏.‏

وفي مسند الإمام أحمد عن عبدالله بن مغفل أنه سمع إبنا له يقول اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها عن يمين فقال يا بني إسئل الله وتعوذه من النار فإن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏سيكون بعدي قوم من هذه الأمة يعتدون في الدعاء والطهور‏)‏‏.‏

وَما سَأَلتَ تَمَهَل في طُلابِكَ هو ** وَلا تَعجَل وَكُن في النَجحِ ذا مَهلِ

ينبغي للداعي أن لا يستبطىء الاجابة فيترك الدعاء لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي‏)‏ويستحب له تكرير دعائه وهو معنى قوله‏:‏ كَرِر دُعاكَ لا تَترُكهُ مِن ضَجرِ ** قَد يفتَحُ القَرعُ باباً سُدَ بِالقُفلِ

قالت رابعة العدوية لصالح المزي وكان يقول كثيرا من آدمن قرع باب يوشك أن يفتح له فقالت رابعة إلى متى تقول من اغلق هذا حتى يستفتح فقال صالح شيخ جهل وامرأة علمت وقر اشرت إلى قول رابعة في هذا البيت‏.‏هذا وَبابُ الذي تَدعوه مُنفَتِحُ ** عَلى الدَوامِ فَطِب يا واسِعَ الأمَلِ

الإِسمُ الأَعظَمُ قيلَ الله قَد نَسَبوا ** لِقُطبٍ جيلانُهُم فاطلُب بِهِ تَنَل

أو اِسمُهُ الحَيُ وَالقَيومُ سَلهُ ** تُجَب بِاللَهِ وَالحيُ وَامتَثِلِ

وَقيلَ أَخفاهُ رَبُ العَرشِ خالِقُنا ** بِكُلِ أسمائِهِ فاطلُب بِها وَسَل

اختلفوا في الاسم الأعظم على أقوال قال الشيخ عبد القادر الجيلان قطب وقته أنه الله قال وإنما يستجاب لمن أكل الحلال وطهر قلبه من الغش والاوناس وقيل إنه الحي القيوم لأنه قد كرر في آية الكرسي وفي سورة آل عمران وفي طه في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَعَنَتِ الوُجوهُ لِلحيِ القَيوم‏}‏وقيل أخفاه الله تعالى في أسمائه كما أخفى ليلة القدر في رمضان حتى تجتهد الناس في العبادة وكما أخفى الرجل الصالح في الخلق حتى يظن الناس ببعضهم خيرا وكما أخفى ساعة الاجابة في يوم الجمعة حتى يكثر الطالب وكما أخفى رضاه في الطاعة حتى لا يشغل بطاعة وإن قلت وكما اخفى سخطه في المعصية حتى لا يستهان بمعصية وينبغي للإنسان أن يقول في دعائه ‏(‏اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا‏)‏ فإنها تشمل الاسم الأعظم وغيره وروى الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو في دعائه اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا فإنها تشمل الاسم الأعظم وغيره وروى الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو يقول في دعائه اللهم إني أسألك إنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏هذا سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به اعطي وإذا دعي به أجاب‏)‏ وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‏:‏ كان رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجر من الشام إلى المدينة ومن المدينة إلى الشام ولا يصحب القوافل توكلا منه على الله تعالى قال فبينما هو آت من الشام يريد المدينة إذ عرض له لص على فرس فصاح بالتجر قف قال فوقف التاجر فقال انظرني حتى أتوضأ وأصلي وأدعو ربي عزوجل قال افعل ما بدا لك فتوضأ التاجر وصلى أربع ركعات ثم رفع يديه إلى السماء فكان من دعائه أن قال يا ودود يا ذا العرش المجيد يا سيد يا معيد يا فعال لما يريد أسألك بنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك وأسألك بقدرتك التي قدرت بها على خلقك وبرحمتك التي وسعت كل شيء لا إله إلا أنت يا مغيث اغثني ثلاث مرات فلما فرغ من دعائه إذا بفارس على فرس اشهب عليه ثياب خضر وبيده حربة من نور فلما نظر اللص إلى الفارس ترك التاجر ومر نحو الفارس فلما دنا منه شد الفارس على اللص فطعنه أرداه عن فرسه ثم جاء إلى التاجر فقال له قم فاقتله فقال له التاجر من أنت فما قتلت أحدا قط ولا تطيب نفسي بقتله قال فرجع الفارس إلى اللص فقتله ثم رجع إلى التاجر وقال له اعلم إني ملك من السماء الثالثة حين دعوت الأولى سمعنا لأبواب السماء قعقعة فقلنا أمر حدث ثم دعوت الثانية ففتحت أبواب السماء ولها شرر كشرر النار ثم دعوت الثالثة فهبط جبريل علينا من قبل السماء وهو ينادي من لهذا المكروب فدعوت ربي أن يوليني قتله واعلم يا عبدالله إنه من دعا بدعائك هذا في كل كربة وكل شدة وكل نازلة فرج الله عنه وأغاثه قال وجاء التاجر سالما غانما حتى دخل المدينة وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بالقصة وأخبره بالدعاء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لقد لقنك الله أسماءه الحسنى التي إذا دعي بها أجاب وإذا سئل بها أعطى‏)‏ وعن محمد بن خزيمة قال لما مات أحمد بن حنبل كنت بالاسكندرية فاغممت فرأيت في المنام أحمد بن حنبل وهو يتبختر فقلت يا أبا عبدالله أي مشية هذه قال مشية الخدام في دار السلام فقلت ما فعل الهك بك قال غفر لي وتوجني والبسني نعلين من ذهب وثقال يا أحمد هذا بقولك القرآن كلامي ثم قال يا أحمد أدعني بتلك الدعوات بلغتك عن سفيان الثوري وكنت تدعو بها في دار الدنيا فقلت يا رب كل شيء بقدرتك على كل شيء اغفر لي كل شيء ولا تسألني عن شيء فقال يا أحمد قد غفرت لك كل شيء ولا اسألك عن شيء هذه الجنة فادخلها فدخلتها‏.‏

كل الدعاء به قد نال فاعله ** إحدى ثلاث أتت عن سيد الرسل

في الحديث ‏(‏ما من مسلم يدع الله تعالى إلا أعطاه إحدى ثلاث إما أن يعجل ما سأل أو يدخر له الثواب في الآخرة أو يدفع عنه من البلاء بقدره‏)‏

وإليه أشار بقوله‏:‏

وَدَعوةٌ عُجِلَت ما رامَ طالِبُها ** وَدَعوةٌ أُخرَت دُخرٍ إِلى أَجلِ

وَدَعوةٌ حُرِزَت دَفعُ البَلاءِ فَكُ ** بِبِسطِ كَفٍ وَرا الأَزمانِ في شُغُلِ

في الحديث ‏(‏إن الله حي كريم يستحي إذا مد العبد إليه يديه أن يردها من غير أن يجعل منها ما‏.‏‏.‏‏)‏‏.‏

في رَأي جَمهورِهِم أَكلُ الحَلالِ أَتَى ** شَرطُ القُبولِ فَطِب في الشُربِ وَالأَكلِ

وَعِندَ بَعضٍ بِلا شَرطٍ ويُعضِدُهُ ** إجابَةُ اللَهِ سُرَ الخَلقُ في الأَزَلِ

لَما دُعِيَ رَبَهُ إِبليسُ أُنظُرهُ ** بِئسَ القَرينِ مِنهُ مِن عَلى وَجَلِ

ذهب الجمهور إلى أن شرط قبول الدعاء أكل الحلال لقوله صلى الله عليه وسلم لسعد‏:‏ ‏(‏أطب كسبك تستجب دعوتك‏)‏ وذكر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يقول يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام وقد غذي بالحرام فأنى يستجاب له قال القشيري وقد قيل ‏(‏الدعاء مخ العبادة‏)‏ وسنامها لقم الحلال وذهب بعضهم على أن هذا لا يدل منع القبول وإنما يدل على استبعاد القبول قالوا ذلك أن الله تعالى أعطى إبليس مسألته حين قال ‏{‏أنظرني إلى يوم يبعثون‏}‏وإذا استجيب لإبليس وهو شر الخلق فغيره أولى وما أحسن ما قال بعضهم في دعائه الهي إن كنت غير مستاهل لمعروفك فأنت أهل الفضل علي والكريم ليس يقع كرمه على مستحقه وقال بعضهم الهي كيف أخرج وقد عصيتك وكيف أحزن وقد عرفتك وكيف أدعوك وأنا عاصي وكيف لا أدعوك وأنت كريم‏.‏

دُعاءُ مُضَطَرُنا تَرجي إجابَتُهُ ** بِلا شُروطٍ كَذا المَظلومِ في الدُولِ

كَذا اليَتيمُ وَقَد قالوا وَدعَوتُهُ ** تَسري إلى اللَهِ في ليلٍ عَلى عَجلِ

دعاء المضطر ترجى إجابته ويسميى دعاء الحال أيضا وهو أن يكون صاحبه مضطرا لا بد له أن يدعو مما يدعو لأجله وذلك كمن أشرف على الغرق

ومن إبتلا ببلاء ونحوه قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏أَمَن يُجيبُ المُضَطَر إذا دَعاهُ وَيَكشِفُ السُوء‏}‏وكذا دعوة المظلوم مستجابة ينتصر بها ممن ظلمه وقد ورد أن دعوة المظلوم تحمل على الغمام ويقول الله تعالى‏:‏ ‏(‏لأََنصُرَنّكَ وَلو بَعدَ حين‏)‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ‏:‏ ‏(‏واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب‏)‏ قال بعضهم في هذا الحديث إشارة إلى أن دعوة المظلوم تصعد إلى الله تعالى بنفسها وغيرها من الأعمال ترفعه الملائكة قال ق الله تعالى‏:‏ ‏{‏إَليهِ يَصعَدُ الكَلِمُ الطَيب‏}‏‏.‏

يعني قول لا إله إلا الله ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالعَملُ الصالِحُ يَرفَعُهُ‏}‏وحكى في مختصر الحلية عن بعضهم أن دعوة اليتيم مستجابة وأنها تسري إلى الله تعالى والناس نيام وللدعاء أوقات يستجاب فيها الدعاء يتكرر السنة وأوقات تتكرر كل يوم وليلة وأوقات مختصى بالأحوال فأما الأوقات التي تتكرر كل سنة فخمس ليال قال الشافعي رضي الله عنه يستجاب الدعاء ليلة الجمعة وليلتي العيدين وليلة النصف من شعبان قالت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏إن الله ينزل ليلة النصف من شعبان فيعتق من النار عدد معزى أو قال عدد الشعر معزى كلب وتنزل أزراق السنة ويكتب الحاج ولا يترك أحدا إلا غفر له إلا قاطع رحم أو مشارك أو مشاحن ذكره الاسماعيلي في معجمه واول ليلة من رجب أو مشارك أو مشاحن ذكره الاسماعيلي في معجمه وأول ليلة من رجب والذي يتكرر كل يوم وليلة الدعاء بعد الآذان وكذا عند قيام الناس إلى الصلاة وإسواء الصفوف وبعد نصف الليل في كل ليلة وعند فطر الصائم قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏للصائم عند فطره دعوة مستجابة‏)‏ والذي يختص ببعض الأحوال الدعاء عند التقاء صفوف الحرب وعند نزول المطر وقد جمعنا هذه الابيات‏.‏

بَعدَ الآذان وَنِصِفَ اللَيلِ فادعُ تَجب ** وَعِندَ غَيثٍ وَصفُ الحَربِ وَالعَملِ

المراد بالعمل الصلاة

وَليلُ خَمسٌ مِنَ الأَيامِ فادعُ بِهِ ** تَرى القُبولَ وَعَنهُ قَط لا تَحِل

خُذ نِصفَ شَعبانَ وَالعيدَينِ رابعُها ** يَومَ العُروبَةِ لا تَترُك مِنَ المَلَلِ

وَلَيلُ أولٌ يَومَ هَل مِن رَجَبِ ** وَفيهِ نَصٌ أَتَى لِلشافعي جَليُ

يوم العروبة يوم الجمعة كانت العرب تسمية بذلك لأنهم كانوا يجتمعون فيه وفي يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي يسأل الله تعالى شيء ألا أعطاه كما جاء في الحديث واختلفوا فيها على أقوال قيل أخفاها الله في اليوم وقيل أول النهار وقيل بل آخر النهار لأن الله تعالى خلق آدم بعد العصر ولأن اليمين يغلظ بعد عصر الجمعة قال اِبن الحاج في المدخل وهذا قول الأكثرين قال وكانت فاطمة رضي الله عنها ترويه عن أبيها محمد صلى الله عليه وسلم قال النووين رضي الله عنه والصواب ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله نه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هي ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن يسلم من الصلاة قال شيخنا الإمام جمال الدين رحمه الله قال القاضي عياض ساعة الإجابة ساعة مختطفة أي لحظة يسيرة منحصرة فيما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى سلامه من الصلاة وكلام النووي يقتضي أنها تمتد من حين الجلوس إلى السلام وليس كذلك قال النووي في الروضة صرت عادة الخطباء الجهال الوقوف على المنبر والدعاء قبل الجلوس ظنا منهم أن ساعة الإجابة دخلت وهو خطأ فإنها تدخل بالجلوس‏.‏

وَقتَ الإِجابَةِ في صُبحِ العُروبَةِ أو ** وَقتَ الغُروبِ وَذا عَن أكَثرِ نَقلٍ

قالَ النَواوي وَالتَصويبَ قَد حَصِرَت ** مِنَ الجُلوسِ إلى التَسليمِ فابتَهِل

وَعَن عِياضٍ فَقُل في لَحظَةٍ خَطِفَت ** تَقليلُها قَد أَتَى عَن سَيدِ الرُسُلِ

فِطرُ الصِيامِ كِلاهو دَعوَةٌ سَمِعَت ** فاطلُب بِها جَنَةَ الفِردوسِ لا تَحِلٍِ

في الحديث ‏(‏للصائم عند فطره دعوة مستجابة‏)‏

وقد تقدم شرح هذه الأبيات‏:‏

وَقالَ قَومٌ وَهَت في العِلمِ رُتبَتُهُم ** تَركُ الدُعاءِ لَهُ التَرجيحُ في العَمَلِ

وَفي الَّذي ذَكروا حِرمانَ تابِعِهِم ** وَما رَشادُ الوَرَى في رَأي مُعتَزِلِ

 الدعاء سلاح المؤمن

الدعاء مطلوب وهو سلاح المؤمن قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَما اسِتَكانوا لِرَبِهِم وَما يَتَضَرَعون‏}

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أَمَن يُجيبُ المُضَطَرَ إذا دَعاهُ‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنّهُم كانوا يُسارِعونَ في الخَيرات وَيَدعونَنا رَغباً وَرَهباً‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذا سَأَلَكَ عِبادي عَني فإِني قريب أُجيبُ دَعوَةِ الدَاعي إِذا دَعان‏}‏ وقال صلى الله عليه وسلم ‏(‏الدعاء مخ العبادة‏)‏ فالأتيان به عبادة أولى من تركها وفي الدعاء اظهار الفاقة وذل العبودية وقد قال أبو جازم الأعرج لأن احرم الدعاء أشد علي من أن احرم الإجابة وفي الحديث من لم يدع الله غضب عليه وانشدوا في هذا المعنى‏:‏

اللَهُ يَغضَبُ أَن تَركتَ سُؤالَهُ ** وَبَني آدَمَ حينَ يُسئَلُ يَغضَبِ

وقوم قالوا السكون والخمود تحت جريان الحكم إثم والرضى بما سبق من اختيار الحق أولى قال الواسطي اختيار ما جرى لك في الأزل أولى وخير من معارضة الوقت وقد قال صلى الله عليه وسلم خبرا عن الله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏(‏مَن شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين‏)‏ وقال قوم يختلف الدعاء بحسب الأوقات والأحوال والمشهور الأول وقال قوم يدعو في الضراء ولا يدعو في السراء وقال قوم لا يدعو أصلا‏.‏

أرغَبُ إِلى الله وَاطلُب فَضلَ رَحمَتِهِ ** لِمَن أَساءَ وَمَن راعاكَ بِالنَحلِ

 مستحبات الدعاء

يستحب الدعاء لكل أحد والدعاء مستحب للإنسان لنفسه ولإِخوانه والدعاء لمن أساء إليك أولى لأن فيه مقابلة بالحسنة السيئة وهذه أدعية جمعتها من كتاب النسائي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بها متفرقة فجمعتها رجاء النف بها

بسم الله الرحمن الرحيم ‏(‏اللهم إني أعوذ بِكَ أَن أَزلَ أو اُزَل أو أضِل أَو أُضَل أو أَظلَمَ أو أُظلِم أو أَجهَل أويُجهَل عَلي أو أكسب خطيئة أو ذنب لا تغفره‏)‏ ‏(‏اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعاء لا يسمح‏}‏‏{‏اللهم إن أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال وأعوذ بك من المغرم والمأثم ومن الجبن والهرم وأن أرد إِلى أرذل العمر وأعوذ بك من سوء الكبر وعذاب جهنم وعذاب القبر وضيقة الصدر وفتنة الغير وفتنة الدنيا وفتنى المحيا والممات وفتنى المسيح الدجال‏)‏ ‏(‏اللهم إني أعوذ بك من غلبة العدو وأعوذ بك من البرص والجذام وسيء الاسقام ومن عين الجان وعين الأنس‏}‏‏{‏اللهم إني أعوذ بك من التردي والهم والفرق والحرق وأعوذ بك من أن يتخبطني الشيطان عند الموت وأعوذ بك أن اقتل في سبيلك مدبرا وأعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقابك وأعوذ بك من ضيق المقام يوم القيامة وأعوذ بك منك‏)‏ ‏(‏اللهم اغفر لي واهدني وارزقني وعافني‏)‏ ‏(‏اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وشر بصري وشر لساني وشر قلبي وشر منيتي‏)‏ ‏(‏اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبؤ لك بنعمتك علي وأبؤ بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلى أنت‏)‏ ‏(‏اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد ونق خطاياي بالماء والثلج والبرد كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس قوله وأنا على عهدك‏)‏ أي الذي اخترته علي في صلب آدم وهو ‏{‏الست بربكم قالوا بلى‏}‏ قوله وأعوذ بك من شر ما استعاذ من شر المني لأنه إذا حبس مع الانسان هيج عنده شهوة الجماع وربما أدى ذلك إلى الزنا واستعاذ صلى الله عليه وسلم من ذلك وإن كان معصوما من الزنا وغيره ليشرح لأمته ويعلمهم الدعاء والبخل بفتح الخاء وتسكينها والرواية بالغة للتناسب قوله أبؤ بذنبي أي أعترف به وأبؤ بنعمتك اعترف بها فانعم علي بالعفو والمغفرة قوله وأعوذ بك معناه أعوذ بك من شر ما قضيت وقيل إشارة إلى التوحيد وذلك أنه صلى الله عليه وسلم استعاذ أولا بالضد عن الضد واستعاذ بالرضى من السخط وبالمعافاة من العقوبة ولما كان البارىء تعالى لا ضد له فلم يصح أن يقول أعوذ بك من غيرك لانتفاء الضد والشريك فرجع فقال أعوذ بك منك فائدة هذه الأدعية الواردة عنه صلى الله عليه وسلم وعن الصالحين إنما دونها العلماء ليعلمها العبد في الدعاء ولا يخترع دعاء من قبل نفسه مع إمكان الدعاء بها لأنها دعوات قد شهد لها بالقبول للداعي وما شهد لها بالقبول يبعده رده ويرجى إجابته ولهذا المعنى قالوا يكره للحاج أن يلتقط الأحجار التي يرمي بها من الرمي لأنه يقال إنما تقبل منها رفع وما لم يتقبل ترك من الرمي فهو مشهود له بالرد وعدم القبول فلا ينبغي الرمي به وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَذا النونِ إِذ ذَهَبَ مُغاضِباً فظن أن لن نقدر عليه‏}‏ ‏[‏الآية‏]‏ إلى قوله المؤمنين إشارة إلى أن المؤمن إذا سأل الله تعالى بهذا الدعاء عند الكرب نجاه الله تعالى كما نجا يونس حين قال ذلك وقد قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه‏:‏ ‏(‏قولوا لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين‏)‏ قولوا ‏{‏رَبُنا ظَلمنا أنفُسنا‏}‏ ‏[‏الآية‏]‏ قولوا رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي وأشار صلى الله عليه وسلم إلى أن الأولى دعوة يونس وإلى أن الثانية دعوة آدم عليه السلام وإلى أن الثالثة دعوة موسى صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين‏.‏

وَبعدَ صَلى عَلى المُختارِ نَحوَ صَلى ** وَصَلِ صَلاتَكَ بِالتَسليمِ في الأَصلِ

يستحب للداعي إذا أفرغ من دُعائِهِ أَن يُصَلي عَلى النَبي صلى الله عليه وسلم ويفتح دعاءه فإن الله يقبل الصلاتين ومن كرمه أن لا يرد ما بينهما ويستحب أن يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم مع الصلاة عليه

مِنَ البَسيطِ أتَى هَذا القَصيدَ فَخُذ ** وَاقصُد لِتُنَظِمَ أتَى مِن شَعرٍ مُرتَجِلِ

لإِبنِ العِمادِ قُريضُ الشِعرِ مِن حَكَمِ ** تَنفي مِنَ الجَهلِ عَن طاقٍ وَمُنتَعِلِ

وَبَعدَ قولي لِرَبي كُلَ مَحمَدَةً ** صَلى الإِلَهُ عَلى المُختارِ في الطِفلِ

وَالمُصطفينَ وَكُلَ الرُسُلِ بَلِغهُم ** رَبي السَلامُ سَلاماً زاكِيَ العَملِ

والحمد لله أولا وآخراً وباطنا وظاهرا ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم‏.‏

والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق وكان الفراغ من كتابة هذه النسخة المباركة يوم الاثنين المبارك الموافق لعشر خلت من شهر جمادى الأولى سنة ألف ومائتي وتسعة وسبعين بعد الهجرة على يد افقر عبد لله تعالى محمد زغلول بن علي زغلول الأبياني غفر الله له ولوالديه ولإخوانه ولجميع المسلمين أجمعين أجمعين آمين‏.‏

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم